للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له بالعدالة، والعدالة (ملكة تمنع صاحبها من اقتراف الكبائر وصغائر الخسة ...) فكيف يسوغ لك أن تشهد بهذه الملكة لمن تتهمه بما ذُكر؟

ولو كان كل عدل حقيقًا بأن يتهمه عارفوه بنحو ما ذُكر لما كان في الناس عدل، وفي أصحابنا من لا نتهمه في شهادته ولو حصل له بسببها مائة درهم أو أكثر؛ كأن يدعي صاحبنا على فاجر بمائة درهم فيجحده, ثم تتفق للفاجر خصومة أخرى فيجيء إلى صاحبنا فيقول له: أنت تعرف هذه القضية، فاحضر فاشهد بما تعلم، فيقول صاحبنا: نعم أنا أعرفها ولكنك ظلمتني مائة درهم فأدِّها إليَّ إن أردتَّ أن أشهد، فيدفع له مائة درهم، فيذهب فيشهد، فإننا لا نتهم صاحبنا في دعواه ولا شهادته.

وفي أصحابنا من لو ائتمن على مئات الدراهم، ثم بعد مدة ادعى ما يحتمل من تلفها أو أنه ردها على صاحبها الذي قد مات لما اتهمناه، نعم قد يتهمه من لا يعرفه كمعرفتنا، أو من لا يعرف قدر تأثير الموانع عن الخيانة في نفس من قامت به, فالفاسق المتهتك لا يعرف قدر العدالة، فتراه يتهم العدول، ولا يكاد يعرف عدالتهم ولو كانوا جيرانه.

فإن قيل: يكفي في التعليل أن ذلك مظنة التهمة، ولا يضر تخلفها في بعض الأفراد، كما قالوا في قصر الصلاة في السفر أنه لأجل المشقة وإن تخلفت المشقة في بعض المسافرين كالمَلِك المترفه.

قلت: العلة في قصر الصلاة هي السفر بشرطه, لا المشقة, فكذلك تكون العلة في رد الشهادة للنفس هي أنها شهادة للنفس أو دعوى، كما يومىء إليه حديث: "لو يُعطى الناس بدعواهم لادَّعي ناسٌ دماءَ رجالٍ وأموالهم ... " (١)


(١) أخرجه البخاري (٤١٨٧) ومسلم (٣٢٢٨) واللفظ له من حديث أبي هريرة مرفوعًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>