للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذهب بعضهم إلى أنه لا يروى عنه إِلَّا عند الحاجة، وهذا أمر مصلحي لا ينافي قيام الحجة بروايته بعد ثبوت عدالته.

وحكى بعضهم أنه إذا روى ما فيه تقوية لبدعته لم يؤخذ عنه، ولا ريب أن ذلك المروي إذا حكم أهل العلم ببطلانه فلا حاجة إلى روايته إِلَّا لبيان حاله، ثم إن اقتضى جرح صاحبه بأن ترجح أنه تعمد الكذب أو أنه متهم بالكذب عند أئمة الحديث سقط صاحبه البتّة فلا يؤخذ عنه ذاك ولا غيره، وإن ترجح أنه إنما أخطأ فلا وجه لمؤاخذته بالخطأ، وإن ترجح صحة ذلك المروي فلا وجه لعدم أخذه.

نعم قد تدعو المصلحة إلى عدم روايته حيث يُخشى أن يغتر بعض السامعين بظاهره فيقع في البدعة، قرأت في جزء قديم من "ثقات" العجلي ما لفظه: "موسى الجهني قال: جاءني عمرو بن قيس الملائي وسفيان الثّوري فقال (١): لا تحدث بهذا الحديث بالكوفة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لعلي: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى" كان في الكوفة جماعة يغلون بالتشيع ويدعون إلى الغلو، فكره عمرو بن قيس وسفيان أن يسمعوا (٢) هذا الحديث فيحملوه على ما يوافق غلوهم فيشتد شرهم.

وقد يمنعُ العالمُ طلبةَ الحديث عن أخذ مثل هذا الحديث لِعلمه أنهم إذا أخذوه ربما رووه حيث لا ينبغي أن يروى، لكن هذا لا يختص بالمبتدع، وموسى الجهني ثقة فاضل لم ينسب إلى بدعة.

هذا وَأَوَّلُ مَنْ نُسِبَ إليه هذا القولُ (٣): إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني - وكان هو نفسه مبتدعًا منحرفًا عن أمير المؤمنين علي، متشددًا في الطعن علي المتشيعين كما


(١) كذا في "التنكيل" ولعلها: "فقالا" ويؤيده قول المعلمي بعد ذلك: فكره "عمرو بن قيس وسفيان".
(٢) ضمير الجمع هنا يعود إلى تلك الجماعة المشار إليها.
(٣) يعني عدم قبول رواية غير الداعية فيما يقوى بدعته.

<<  <  ج: ص:  >  >>