للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأهل البدع كما سماهم السلف "أصحاب الأهواء" واتِّبَاعُهم لأهوائهم في الجملة ظَاهِرٌ، وإنّما يبقى النظر في العمد والخطأ، ومن ثبت تعمده أو اتهمه بذلك عارفوه لم يؤمن كذبه، وفي "الكفاية" للخطيب (ص ١٢٣) عن علي بن حرب الموصلي: "كل صاحب هوى يكذب ولا يبالي" يريد والله أعلم أنهم مظنة ذلك فيحترس من أحدهم حتى يتبين براءته.

هذا وإذا كانت حججُ السنة بَيِّنَةً، فالمخالف لها لا يكون إِلَّا معاندًا أو متبعًا للهوى معرضًا عن حجج الحق.

واتباع الهوى والإعراض عن حجج الحق قد يفحش جدًّا حتى لا يحتمل أن يعذر صاحبه، فإن لم يجزم أهل العلم بعدم العذر فعلى الأقل لا يمكنهم تعديل الرجل، وهذه حال الداعية الذي الكلام فيه، فإنه لولا أنه معاند ومنقاد لهواه انقيادًا فاحشًا، مُعْرِضٌ عن حجج الحق إعراضًا شديدًا لكان أقل أحواله أن يحمله النظر في الحق على الارتياب في بدعته فيخاف -إن كان متدينًا- أن يكون على ضلالة ويرجو أنه إن كان على ضلالة فعسى الله تبارك وتعالى أن يعذره، فإذا التفت إلى أهل السنة علم أنهم إن لم يكونوا أولى بالحق منه، فالأمر الذي لا ريب فيه أنهم أولى بالعذر منه وأحق إن كانوا على خطأ أن لا يضرهم ذلك؛ لأنهم إنما يتبعون الكتاب والسُّنَّة ويحرصون على اتباع سبيل المؤمنين ولزوم صراط المنعَم عليهم: النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه وخيار السلف، فيقول في نفسه: هَبْ أنهم على باطل فلم يأتهم البلاء من اتباع الهوى وتتبع السبل الخارجة.

ولا ريب أن من كانت هذه حاله فإنه لا يُكَفِّرُ أهل السنة ولا يضللهم، ولا يحرص على إدخالهم في رأيه، بل يشغله الخوف على نفسه فلا يكون داعية.

فأما غير الداعية فقد مَرَّ نقل الإجماع على أنه كالسُّنِّي، إذا ثبتت عدالته قبلت روايته، وثبت عن مالك ما يوافق ذلك، وقيل عن مالك إنه لا يُروى عنه أيضًا، والعمل على الأول.

<<  <  ج: ص:  >  >>