أما بالنسبة لما قيل إن إبراهيم قد ولد في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- فإن القائلين بذلك إنما نسبوا هذا القول إلى الواقدي، وقد عَدَّ إبراهيمَ في التابعين غيرُ واحدٍ ممن صنف في التواريخ والطبقات ونحوها، وعلي رأسهم: - ابن معين "تاريخ دمشق" (٢ / ق ٤٦١). - يعقوب بن شيبة (نفسه). - ابن سعد "طبقاته" (٥/ ٥٦). - البخاري "التاريخ الكبير" (١/ ٢٩٥). - أبو حاتم الرازي "الجرح" (٢/ ١١١). - مسلم "طبقاته" (١/ ٢٣٥). - العجلي "ثقاته" (١ / رقم (٢٦). - يعقوب بن سفيان "المعرفة والتاريخ" (١/ ٣٦٧). - النسائي في كتاب "الكنى" له ووثقه "إكمال مغلطاي" (١ / ق ٥٧ / أ). - أبو عبد الله بن أبي بكر المقدمي القاضي "التاريخ وأسماء المحدثين وكناهم" رقم (٤٢٣). - ابن حبان "الثقات" (٤/ ٤)، و"مشاهير علماء الأمصار" (ص ٦٦). وغيرهم، وكفى بهؤلاء مقنع لمن أراد الصواب. ومما تجدر الإشارة إليه هنا، ما أورده البخاري في "التاريخ الأوسط" (١/ ٣٤٥): روى يونس عن ابن شهاب، أخبرني إبراهيم قال: استسقى النبي -صلى الله عليه وسلم-. قال: وروى بعضهم: استُسْقِي بهم، ولا أُراه يصح؛ لأن أمه أم كلثوم زَوَّجها أخوها الوليد -يعني لعبد الرحمن بن عوف- أيام الفتح. اهـ. أقول: قصد البخاري رحمه الله دفع شهود إبراهيم لهذا الاستسقاء وتخطئة من روى ما يدل على ذلك، واستدل بأن أباه إنما تزوج بأمه أيام الفتح -وكان فتح مكة على رأس ثمان سنين ونصف من الهجرة النبوية- وقد توفي النبي -صلى الله عليه وسلم- في السنة الحادية عشرة من الهجرة، فلو قُدر أن يولد لهما إبراهيم بعد تسعة أشهر من زواجهما لكان قد أدرك من حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- سنتين إلا قليلًا، فأَنَّى له أن يشهد هذا الاستسقاء ويحكيه؟ فهذا مرسل حتمًا، وذلك على تقدير أن إبراهيم ولد هكذا، لكن لا دليل على هذا. ومقتضى صنيع البخاري رحمه الله أنه لا يثبت عنده تحديد لميلاد إبراهيم، ولو ثبت عنده ذلك لكان هو الأَولى بالذكر، لأنه هو المقصود لذاته في تخطئة تلك الرواية المذكورة، فلما لم يثبت ذلك عنده اكتفى -في دفعها- بما ثبت من تاريخ زواج عبد الرحمن بن عوف بأم كلثوم - بما بيناه سابقًا، والله تعالى أعلم وهو الهادي إلى سواء السبيل.