الدارقطني ومؤلفات أخرى كثير؛، فيسوق الحديثَ بسنده إلى أبي داود، ثم يصله بسند أبي داود، ويكرر ذلك بها كل حديث.
وقد قَرَّرَ أهلُ العلم أن جُلَّ الاعتماد في مثل هذا على الوثوق بصحة النسخة، فلا يضر أن يكون مع ذلك في الوسائط التي دون مؤلف الكتاب رجلٌ فيه كلامٌ؛ لأنه واسطة سندية فقط، والاعتماد على صحة النسخة.
وهذا كما لو أحب إنسان منا أن يشوق بسندٍ له إلى البخاري، ثم يصله بسند البخاري لبعض الأحاديث في "صحيحه"، فإنه بعد ظهور أنه إنما يروي بذلك السند من "صحيح" البخاري، لا يكون هناك معنًى لأن يعترض عليه بأن في سنده إلى البخاري رجلًا فيه كلام.
والأئمة الأثبات كالبيهقي والخطيب قد عُرف عنهم كمالُ التحري والتثبت في صحة النُّسخ، وتأكد ذلك بأن مَن كان من أهل العلم والنقد في عصرهم وما بعده لم يُنكروا عليهم شيئًا مما رووه من تلك الكتب مع وجود نسخ أخرى عندهم، وكانوا بغاية الحرص على أن يجدوا للمحدث زلةً أو تساهلًا فيشيعوا ذلك ويذيعوه؛ نصيحةً للدِّين مِن وجهٍ، وحبًّا للسمعة وللشهرة من وجه آخر، ولما قد يكون في صدر بعضهم من الحنق على الرجل أو الحسد له من وجهٍ ثالث.
وقد كان القدماء كسعيد بن أبي عروبة ووكيع وغيرهما يروون من حفظهم، وتكون لأحدهم كتبٌ ومصنفاتٌ لا تحيط بحديثه، فكثيرًا ما يُحدث من حفظه بما ليس في كتبه، مع ذلك كان الرجل إذا روى عن أحدِ هؤلاء ما ليس في كتبه أَنكر الناسُ عليه ذلك، قائلين: ليس هذا في كتب ابن أبي عروبة، ليس هذا في كتب وكيع، حتى تناول بعضهم يحيى بن معين إذ روى عن حفص بن غياث حديثًا لم يوجد في كتب حفص، كما تقدم في ترجمة حسين بن حميد.