للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويرد بأن احتمال السماع في الأول قوي ظاهر محصل للظن، فلا عبرة بزيادة الثاني؛ إذ هي زيادة على النصاب، مع أن لنا أمورًا تجيز هذه الزيادة.

منها: قلة الإرسال الخفي في السلف.

ومنها: أنه أقبح وأشنع من التدليس -كما سيأتي- فالثقة أشد تباعدًا عنه؛ تدينًا وخوفًا من نقد النقاد الذين كانوا يومئذ بالمرصاد، بخلاف التدليس؛ فإنه أشد خفاء على الناقد.

وأجيب -أيضًا- بأن احتمال العنعنة لعدم السماع مع ثبوت اللقاء اتهام للراوي بالتدليس، والفرض سلامته منه، بخلاف احتمالها له مع عدم ثبوت اللقاء، فإنما فيه اتهامه بالإرسال الخفي فقط.

ويُرد بأنه قد نقل محققون من أهل الفن أن الإرسال الخفي تدليس، منهم: ابن الصلاح (١)، والنووي (٢)، والعراقي (٣). وقال: "إنه المشهور بين أهل العلم بالحديث"، ولنا بحثٌ في تحقيق ذلك والإجابة عما ذكره الحافظ: لا حاجة لإثباته هنا؛ لأن الخلاف لفظي للاتفاق على أن في الإرسال الخفي إيهامًا، فاتهام الراوي به كاتهامه بالتدليس، فإذا اتهمتم الراوي بأنه يزسل خفيا -وإن لم يوصف به- فيلزمكم أن تتهموا الراوي بأنه يدلس، فإن قلتم: إن الأصل في الثقة عدم التدليس، قلنا: وكذا الإرسال الخفي.

فإن قلتم: الإيهام في الإرسال الخفي أضعف منه في التدليس، فهو أقرب إلى اتصاف الثقة به.

قلنا: مُسَلَّمٌ غالبًا، ولكن هذا لا يقتضي أن لا يكون الأصل في الثقة عدمه، ما دام فيه إيهامٌ وتغريرٌ وغشٌّ منافٍ لكمال الثقة، مع أن الإيهام في الإرسال الخفي لأمرين


(١) انظر: "المقدمة" (ص ١٤)، و"الاقتراح" (ص ٢١٣).
(٢) انظر: "الإرشاد" (١/ ٣١٤)، و"تدريب الراوي" (١/ ١٣٠).
(٣) انظر: "فتح المغيث" (١/ ١١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>