فالمختار ما قاله مسلم: إن ثبوت اللقاء ليس بشرط الصحة، ولم نختره لما ذكره من الإجماع والإلزام، بل لما قدمنا أن الدلالة حينئذ دلالة ظاهرة محصلة للظن، مستكملة لنصاب الحجية. والله أعلم.
وقد رأيت عن الحافظ ما يوافق ما قلناه. قال تلميذه السخاوي في "فتح المغيث"(ص ٦٢): "ولكن قيده ابن الصيرفي بأن يكون صرح بالتحديث ونحوه، أما إذا قال: عن رجل فن الصحابة وما أشبه ذلك، فلا يقبل. قال: لأني لا أعلم أسمع ذلك التابعي منه أم لا؟ إذ قد يحدث التابعي عن رجل وعن رجلين عن الصحابي، ولا أدري هل أمكن لقاء ذلك الرجل أم لا؟ فلو علمت إمكانه فيه لجعلته كمدرك العصر"، قال الناظم (العراقي): "وهو حسن متجه، وكلام من أطلق محمول عليه"، وتوقف شيخنا الحافظ في ذلك؛ لأن التابعي إذا كان سالمًا من التدليس، حملت عنعنته على السماع، وهو ظاهر. قال: ولا يقال: إنما يتأتى هذا في حق كبار التابعين الذين جل روايتهم عن الصحابة بلا واسطة، وأما صغار التابعين الذين جل روايتهم عن التابعين فلا بد من تحقق إدراكه لذلك الصحابي، والفرض أنه لم يسمه حتى نعلم هل أدركه أم لا؟
لأنا نقول: سلامته من التدليس كافية في ذلك؛ إذ مدار هذا على قوة الظن، وهي حاصلة في هذا المقام" اهـ.
أقول: وإذا كان هذا مع احتمال عدم إدراك المعنعن للصحابي فضلا عن لقائه، ففي مسألتنا أولى وأظهر؛ لأنه قد ثبت الإدراك، وربما قامت عدة قرائن تدل على اللقاء، كمامر.
والعجب من الحافظ: كيف مشى معهم في ترجيح رد عنعنة من علمت معاصرته دون لقائه، ولو مع قيام القرائن على اللقاء، وتوقف عن ردها، بل احتج لقبولها في حق من لم يعلم معاصرتها أصلا، فسبحان من له الكمال المطلق، وإنما ذكرنا هذا ليعلم صحة ما ذكرناه، من أن الدلالة ظاهرة، مستكملة نصاب الحجية. والله أعلم". اهـ.