(١) هذه مغالطة، فقد قدمنا بيان دلالة الرواية على السماع، وقدمنا نقل مسلم لإجماع السلف على حملها على السماع إذا ثبتت المعاصرة فقط، وبسطنا ذلك أحسن بسط، وأما هذه الشبهة فلنا جوابان عنها: جواب مكافأة وجواب إنصاف.
أ- أنه إذا كان الأئمة لم يَنقلوا عن أحدٍ أنه كان يرسل إرسالًا خفيًّا، فهذا دليلٌ لنا على غلظه وشدة شناعته وقبحه، بحيث إن جميع المحدثين تنزهوا عنه، إلا الكذابين؛ فإن وصفهم بالكذب يغني عن وصفهم بالإرسال الخفي.
وإن كان الأئمة نقلوا ذلك، ولكن عن قليلٍ بالنسبة إلى مَن نقلوا عنه التدليس، فهذا أيضًا دليل لنا على شناعة الإرسال الخفي، بحيث إن الموصوفين به من المحدثين قليلٌ جدًّا بالنسبة إلى المدلسين.
ب- المشهور بين المحدثين أن الإرسال الخفي تدليس، فالوصف بالتدليس يتناول النوعين، ولنا بحث في تحقيق هذه المسألة نلخصه هاهنا:
في عبارة ابن الصلاح في حَدِّ التدليس:"فتح المغيث"(ص ٧٣)[١/ ٣١٤][مقدمة ابن الصلاح ص ٦٦]: "وعمن عاصره ولم يلقه موهمًا أنه قد لقيه وسمعه"، وتبعه النووي، وعبارته في "التقريب": "بأن يروي عمن عاصره ما لم يسمعه منه موهمًا سماعه".
وكذا العراقي، فقال "فتح المغيث"(ص ٧٤)[التقييد والإيضاح ص ٩٨]: "إنه هو المشهور بين أهل الحديث". ومثله للسيوطي في شرح "التقريب"، وهو ظاهر عبارة الخطيب في "الكفاية". انظر "فتح المغيث"(ص ٧٤)[الكفاية ص ٥١٠].
وإن قال الحافظ [النكت على ابن الصلاح ٢/ ٦١٤ - ٦١٥]: إنها تخالفه. ويؤيد هذا القول أن معنى التدليس لغة يتناوله، والأصلُ عدمُ النقل.
وأما البزار، وابن القطان، وابن عبد البر، فإنهم وإن خَصوا تعريف التدليس بما ثبت فيه اللقاء، فقد فرقوا بينه وبين الإرسال بوجود الإيهام في الأول بخلاف الثاني،