وهذا يدلك أنهم أسقطوا الإرسال الخفي، فلا أدخلوه في تعريف التدليس كما مَرَّ، ولا في الإرسال؛ لقولهم: إن الإرسال لا إيهام فيه، ومع ذلك فكلامهم يدل على إلحاقه بالتدليس؛ لوجود الإيهام فيه، فليس من الإرسال، ولقولهم: إن التدليس إنما كان تدليسًا لوجود الإيهام، وفي هذا إيهام، وأي إيهام، انظر عبارة ابن عبد البر المنقولة سابقًا.
وأما كلام الشافعي [يعني أبا بكر الصيرفي، وهو قوله فيما نقله السخاوي في فتح المغيث (١/ ٢٨٦): كل من عُلم له -يعني ممن لم يظهر تدليسه- سماعٌ من إنسان، فحدث عنه، فهو على السماع حتى يُعلم أنه لم يسمع منه ما حكاه. وكل من عُلم له لقاءُ إنسان فحدث عنه فحكمه هذا الحكم اهـ. وهذا قد نقله السخاوي عن ابن الصلاح (مقدمته ص ٥٩) وقوله: يعني ممن لم يظهر تدليسه هو من كلام ابن الصلاح] فلم أقف عليه الآن [قال الزركشي في النكت (٢/ ٣٨): ما حكاه -يعني ابن الصلاح [المقدمة ص ١٥٦]- عن أبي بكر الصيرفي رأيته مصرحا به في كتابه المسمى بالدلائل والأعلام في أصول الأحكام، فقال: وكل من عُلم له سماع ... لأن السماع واللقاء قد حصلا، اللهم إلا أن يتبين أنه لم يسمع مع اللقاء. قال: ومن أمكن سماعُه وعدمُ سماعِه فهو على العلم حتى يتحقق سماعه، وكذلك الحكم في اللقاء. انتهى
وقول ابن الصلاح: إنما قال هذا فيمن لم يظهر تدليسه؛ يعني لأنه قال قبل هذا الكلام: ومن ظهر تدليسه عن غير الثقات لم يقبل خبره حتى يقول حدثني وسمعت. وقال في موضع آخر: متى قال المحدث: حدثنا فلان عن فلان. قُبل خبرُه؛ لأن الظاهر أنه حكى عنه، وإنما توقفنا في المدلس لعيب ظهر لنا منه، فإن لم يظهر فهو على سلامته، ولو توقفنا في هذا لتوقفنا في "حدثنا" لإمكان أن يكون حدث قبيلته وأصحابه كقول الحسن: "خطبنا فلان بالبصرة" ولم يكن حاضرا؛ لأنه احتمال لاغٍ، فكذلك من عُلم سماعه إذا كان غير مدلس، وكذلك إذا قال الصحابي أبو بكر أو