وزعم النووي في "شرح صحيح مسلم" أنه لا يُحكم على مسلم بأنه عمل في "صحيحه" بقوله المذكور، وهذا سَهْوٌ من النووي؛ فقد ذكر مسلم في ذلك الكلام أحاديثَ كثيرةً زعم أنه لم يُصرَّحْ فيها بالسماع، ولا علم اللقاء، وأنها صحاح عند أهل العلم، ثم أخرج منها في أثناء "صحيحه" تسعة عشر حديثًا كما ذكره النووي نفسه، ومنها ستة في "صحيح" البخاري كما ذكره النووي أيضًا.
هذا، ولم يجيبوا عن تلك الأحاديث إلا بأن نفي مسلم العلم باللقاء لا يستلزمُ عدمَ علمِ غيره، وهذا ليس بجوابٍ عن تصحيح مسلم لها، وإنما هو جواب عن قوله أنها عند أهل العلم صحاح.
وقد دفعه بعض علماء العصر بأنه لا يكفي في الرد على مسلم مع العلم بسعة اطلاعه.
أقول: قد كان على المُجيبين أن يتتبعوا طرق تلك الأحاديث وأحوال رواتها، وعلى الأقل كان يجب أن يعتنوا بالستة التي في "صحيح البخاري"، وكنت أظنهم قد بحثوا فلم يظفروا بما هو صريح في رَدِّ دعوى مسلم، فاضطروا بلى الاكتفاء بذاك الجواب الإجمالي، ثم إنني بحثتُ، فوجدت تلك الستة قد ثبت فيها اللقاء، بل ثبت في بعضها السماع، بل في "صحيح" مسلم نفسه التصريح بالسماع في حديث منها، وسبحان من لا يضل ولا ينسى، وأما بقية الأحاديث فمنها ما يثبت فيه السماع واللقاء فقط، ومنها ما يمكن أن يجاب عنه جواب آخر، ولا متسع هنا لشرح ذلك (١).
وزعم بعض علماء العصر أن اشتراط البخاري العلم باللقاء، إنما هو لما يخرجه في "صحيحه"، لا للصحة في الجملة، كذا قال، وفي كلام البخاري على الأحاديث في عدةٍ من كتبه كـ (جزء القراءة) وغيره ما يدفع هذا. والله الموفق.
(١) قد شرح الشيخ المعلمي هذا، ونظر في تلك الأحاديث كلها في جزء خاص، سأنقله بتمامه في السطور الآتية.