(٣) ولا يُعلم أنه يستجيز إذا حدثه أحد شيوخه عن بعض من أدرك حديثا نازلا فسمى بينهما في الإسناد مَن حدثه به أن يُسقط ذلك ويروي الحديث عاليا، فيقول: حدثنا فلان عن فلان، أعني الذي لم يسمعه منه؛ لأن الظاهر من الحديث السالم رواية مما وصفنا الاتصال، وإن كانت العنعنة هي الغالبة على إسناده".
ثم أسند الخطيب إلى الشافعي قوله الذي سبق التعليق عليه، وهو:
" ... وكان قول الرجل: سمعت فلانا يقول: سمعت فلانا، وقوله: حدثني فلان عن فلان سواء عندهم، لا يحدث واحد منهم عمن لقي إلا ما سمع منه، فمن عرفناه بهذا الطريق قبلنا منه: حدثني فلان عن فلان إذا لم يكن مدلسا ... ".
فأقول:
نَقْلُ الخطيب للإجماع المذكور مشتملا على الإدراك واللقاء والسماع هو كلمة اتفاق في حمل الإسناد المعنعن على الاتصال، سوى القول الشاذ بلزوم التصريح بما يدل على السماع في كل موضع.
وما استشهد به الخطيب من كلام الشافعي في قوله:
"لا يحدث واحد منهم عمن لقي إلا ما سمع منه ... " يسير في نفس المضمار، وسبق تكلف العوني في توجيه تلك العبارة.
وتبقى الحالة التي ذكرها مسلم ونقل عليها الإجماع أيضا، وهي عدم تحقق اللقاء أو السماع، وهذه لم يتعرض لها الخطيب في هذا الموضع، أما قوله في (ص ٢٨٩):
"وأما قول المحدث: قال فلان، فإن كان المعروف من حاله أنه لا يروي إلا ما سمعه جعل ذلك بمنزلة ما يقول فيه غيره: ثنا، وإن كان ربما يروي سماعا وغير سماع لم يحتج من رواياته إلا ما بين الخبر فيه".