ولفظ الرواية الأولى ليس فيه محل الشاهد للتبويب، فلم يتمه، وساق الرواية الثانية بلفظها المشتمل على موضع الحاجة منها، وهي قوله:"فلم تُصلِّ حتى خرجت".
والملاحظ أن الرواية الأولى مسندة إلى أم سلمة من قولها، أما الثانية فحكاية عما دار بينها وبين النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعن فعلها.
وصنيع البخاري في اكتفائه بصدر الرواية الأولى، وعطف الأخرى عليها تامَّة يقتضي أنهما عن قصة واحدة، الأولى مسندة من لفظ أم سلمة، والثانية حكاية عن فعلها.
سادسًا: احتياط البخاري وتوقِّيه المعروف عنه يقضي باعتماده في الباب على الإسناد الأول، وهو الإسناد المشهور المتفق على اتصاله، والذي أكثر من الاحتجاج به في "صحيحه"، لكن لما لم يكن فيه ما احتاج إليه صريحا منصوصا عليه في معنى التبويب، تجوَّز في إيراد اللفظ التامّ المحتوي على موضع الحاجة بإسناد محتمل، أخرج أصله قبل ذلك.
وقد صنع البخاري شبيها بهذا في كتاب الصلاة، ففي باب: الصلاة على الفراش، أخرج البخاري (٣٨٣) حديث عروة، أن عائشة أخبرته، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي وهي بينه وبين القبلة على فراش أهله اعتراض الجنازة. ثم أعقبه (٣٨٤) برواية عروة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي وعائشة معترضة بينه وبين القبلة على الفراش الذي ينامان عليه.
قال الحافظ في الرواية الثانية:"صورة سياقه بهذا الإرسال، لكنه محمول على أنه سمع ذلك من عائشة بدليل الرواية التي قبلها، والنكتة في إيراده أن فيه تقييد الفراش بكونه الذي ينامان عليه بخلاف الرواية التي قبلها فإن قولها: "فراش أهله" أعم من أن يكون هو الذي نام عليه أو غيره".