المثالان قريبا الشَّبَه، والفرق أن حديث الصلاة ظاهر الإرسال بخلاف حديث الحج، وقد قال الحافظ:"سماع عروة من أم سلمة ممكن؛ فإنه أدرك من حياتها نيفا وثلاثين سنة، وهو معها في بلد واحد"؛ ولذا لم يقل الحافظ هنا ما قاله في حديث الصلاة "لكنه محمول على أنه سمع ذلك من زينب بنت أبي سلمة".
وعندي أنه ينبغي قول ذلك، فمن المعطيات الست السابقة وغيرها يظهر لي أن البخاري لم يورد حديث يحيى بن أبي زكريا الغساني أبي مروان، عن هشام، عن عروة، عن أم سلمة من أجل أنه يرى أن عروة سمع من أم سلمة، ولكن اعتمادا -كما سبق بيانه- على أن الرواية عند عروة، عن زينب، عن أم سلمة، ولكنه احتاج إلى حكاية عروة للحديث عن فعل أم سلمة للموضع الذي سقناه آنفًا.
يؤيد ذلك أن النسائي لما أعلَّ رواية عروة عن أم سلمة أعلها بأنه لم يسمعه منها، وإنما سمعه من زينب عنها، ثم ساقه من طريق مالك عن أبي الأسود، عن عروة به، فحمل رواية عروة عن أم سلمة على أنه سمعها من زينب عنها، كما يدل عليه صنيع البخاري.
أما الدارقطني فقد أعله بالإرسال، وتتبَّع في ذلك البخاريَّ آخذًا عليه إخراجه في "الصحيح"، وذكر أن حفص بن غياث رواه عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن زينب بنت أيى سلمة، عن أمها أم سلمة، فوصله من طريق هشام عن عروة، لكن المحفوظ من رواية جماعة عن هشام إنما هو بدون ذكر زينب، كما قال الحافظ.
ومن تدبر صنيع البخاري ظهر له أنه لا يلزمه بإيراده رواية عروة عن أم سلمة اعتراضٌ ولا انتقاضٌ، على ما شرحناه سابقا.
ولا يتوجه أو يسوغ حملُ إيراده تلك الرواية على أنه يكتفي في ثبوت الاتصال بالمعاصرة، ولو كان ذلك يحتمل ولو من وجه بعيد لاكتفى البخاري بإيراده