والمراد أن سياق البخاري لهذا الحديث في هذا الموطن إن كان على الاحتمال الأول الذي ذكرناه آنفا، وهو حضور قيس لذلك الموقف وشهوده إياه، فالأمر على السلامة والجادّة، فلا إشكال، وليس بممتنع أن يختلف البخاري مع شيخه ابن المديني في مثل هذا، فإن مقتضى إثبات ابن المديني سماع قيس من أبي بكر ونفي لقاءه لبلال أنه يرى عدم حضوره ذلك الموقف.
وعلى كل حالٍ فالأصلُ عدم ثبوت اللقاء أو السماع حتى تأتي بينةٌ عليه، ولذا فالاحتمال الأول لا تُساعد عليه الأدلة، ووجب العمل بكلام ابن المديني في ذلك؛ لأنه لم ينهض دليلٌ أو قوله يخالفه، وسياق البخاري للإسناد ظاهره الإرسال كما بيناه سابقا.
وإن كان على الاحتمال الثاني -وهو الأقرب- فقد تجوز فيه البخاري بإيراده في كتاب المناقب، وليس فيه حُكمٌ، ولا ما يُحتاج فيه إليه وحده.
وأمَّا أنَّ البخاري بإخراجه لهذه الرواية بهذا السياق يرى سماع قيس من بلال؛ اكتفاءً بمطلق المعاصرة، فهو خطأ يكشفه ما سبق إيضاحه، والله تعالى الموفق.
ص (١٢٧):
المثال الرابع: حديثا عبد الله بن بريدة عن أبيه، وقد سبق النظر في ذلك، فليراجعه من شاء.
ص (١٢٨):
احتجاج العوني بأن هناك مجموعة من الأسانيد نُفي سماعُ بعض رواتها من شيوخهم، وهي في "صحيح" البخاري، والنُّفاة للسماع أمثال: أبي داود، وأبي حاتم الرازي، والعقيلي، والإسماعيلي، والدارقطني، وغيرهم، بقوله: لو كان متقررًا عندهم أن البخاري يشترط العلم بالسماع لما تجرءوا على انتقاد بعض أحاديث "صحيحه" بعدم السماع ...