والمقصود أن سياق إسناد الصحيح لا يُعد من مسند قيس عن بلال، وإنما يَحتمل أمرين:
أحدهما: أن يكون قيس قد حضر ذلك الموقف فحكى ما شاهده وسمعه بناء على لقائه لأبي بكر وسماعه منه وروايته عنه، وقد أثبت له السماع منه: ابن المديني نفسه، وقد ثبت التصريح بسماعه منه وحضور مجلسه في غير موضع، بل قد قيل: إن أصح الأسانيد إلى أبي بكر هو: إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، عن أبي بكر.
الثاني: ألا يكون شهد ذلك، وإنما بلغه؛ إما حدَّث به أبو بكر في حضوره، أو جرى ذكر ذلك في مجلسه، أو حدَّثه أحدٌ ممن حضروا ذلك القول، فأرسله.
وقد ذكر الطبراني في "المعجم الكبير"(١/ ٣٥٦) ما رواه قيس بن أبي حازم عن بلال فذكر حديثين غريبين:
أحدهما: بلفظ: عن بلال يرفعه ... والثاني: عن بلال أنه رأى رجلا ...
ولم يذكر هذا الحديث، وقد ذكره في ترجمة بلال (١/ ٣٣٧) من طريق عبد الله بن أحمد، عن أبيه، عن أبي أسامة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم بلفظ: قال بلال لأبي بكر حين توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ...
وبمثل هذا اللفظ أخرجه ابن سعد في "الطبقات"(٣/ ٢٣٨) عن محمد بن عبيد الطنافسي، عن إسماعيل به.
وقوله:"قال بلال" هو نحو "أن بلالا قال"، وكلاهما غير صريحين في الاتصال على ما بيَّنا.
واستظهر الحافظ بلفظ أحمد:"حين توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" على أن ذلك القول كان في خلافة أبي بكر، يعني بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فكأنه يُلمح إلى وقوع ذلك حال وجود قيس في المدينة على المشهور من وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقيس في طريقه إليه، فلم يدركه.