للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلم أن الأحاديث الصحيحة ليست كلها قولية، بل منها ما هو إخبار عن أفعال النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهي كثيرة.

ومنها ما أصله قولي، ولكن الصحابي لا يذكر القول، بل يقول: أمرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- بكذا، أو نهانا عن كذا، أو قضى بكذا، أو أذن في كذا ... وأشباه هذا، وهذا كثير أيضًا.

وهذان الضربان ليسا محل نزاع، والكلام في ما يقول الصحابي فيه: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كيت وكيت، أو نحو ذلك.

ومن تتبع هذا في الأحاديث التي يرويها صحابيان أو أكثر، ووقع اختلاف، فإنما هو في بعض الألفاظ، وهذا يبين أن الصحابة لم يكونوا إذا حكوا قوله -صلى الله عليه وسلم- يُهملون ألفاظه البتة، لكن منهم من يحاول أن يؤديها، فيقع له تقديم وتأخير، أو إبدال الكلمة بمرادفها ونحو ذلك.

ومع هذا فقد عُرف جماعة من الصحابة كانوا يتحرون ضبط الألفاظ، وتقدم (ص ٤٢) قول أبو رية: إن الخلفاء الأربعة وكبار الصحابة وأهل الفتيا لم يكونوا ليرضوا أن يرووا بالمعنى، وكان ابن عمر ممن شدد في ذلك، وقد آتاهم الله من جودة الحفظ ما آتاهم، وقصة ابن عباس مع عمر بن أبي ربيعة مشهورة، ويأتي في ترجمة أبي هريرة ما ستراه.

فعلى هذا، ما كان من أحاديث المشهورين بالتحفظ فهو بلفظ النبي -صلى الله عليه وسلم-، وما كان من حديث غيرهم فالظاهر ذلك؛ لأنهم كلهم كانوا يتحرون ما أمكنهم، ويبقى النظر في تصرف من بعدهم ... (١)

هذا، وكان الأئمةُ يعتبرون حديثَ كُلِّ راوٍ، فينظرون كيف حَدَّثَ به في الأوقات المتفاوتة، فإذا وجدوه يُحَدث مرة كذا ومرة كذا بخلافٍ لا يحتملُ: ضَعَّفُوه.


(١) ثم أشار الشيخ المعلمي بلى ما يتعلق بجودة حفظ الصحابة والتابعين ومن بعدهم، ومن كان منهم لا يحدث إلا من كتابه.

<<  <  ج: ص:  >  >>