وربما سمعوا الحديثَ من الرجل، ثم يَدَعُونه مدة طويلة، ثم يسألونه عنه.
ثم يُعتبر حَرْفُ مروياتِه برواية مَن روى عن شيوخه وعن شيوخ شيوخه، فإذا رأوا في روايته ما يخالف روايةَ الثقات حكموا عليه بحسبها.
وليسوا يوثِّقُون الرجل لظهور صلاحه في دينه فقط، بل معظم اعتمادهم على حاله في حديثه كما مَرَّ.
وتجدُهم يجرحون الرجلَ بأنه يخطىء ويغلط، وباضطرابه في حديثه، وبمخالفته الثقات، وبتفرده، وهلم جرا.
ونظرهم عند تصحيح الحديث أدقُّ من هذا، نعم، إن هناك من المحدثين من يُسَهِّلُ ويُخَفِّفُ، لكنَّ العارفَ لا يخفى عليه هؤلاء من هؤلاء.
فإذا رأيتَ المحققين قد وثَّقُوا رجلًا مطلقًا، فمعنى ذلك أنه يروي الحديث بلفظه الذي سمعه، أو على الأقل إذا روى بالمعنى لم يغير المعنى.
وإذا رأيتَهُم قد صحَّحُوا حديثًا، فمعنى ذلك أنه صحيح بلفظه، أو على الأقل بنحو لفظه، مع تمام معناه، فإن بان لهم خلف ذلك نبهوا عليه كما تقدم (ص ١٨).
... وذكر أبو رية (ص ٥٥ فما بعدها) الخلاف في جواز الرواية بالمعنى.
أقول: الذين قالوا: لا تجوز، إنما غرضُهم ما ينبغي أن يُعمل به في عهدهم وبعدهم، فأما ما قد مضى فلا كلام فيه، لا يُطعن في متقدم بأنه كان يروي بالمعنى ولا في روايته.
لكن إن وقع تعارض بين مَرْوِيِّهِ ومرْوِيِّ من كان يبالغ في تحري الرواية باللفظ، فذلك مما يرجح الثاني، وهذا لا نزاع فيه.
ومدار البحث هو أن الرواية بالمعنى قد توقع في الخطأ، وهذا معقول، لكن لا وجه للتهويل، فقد ذكر أبو رية (ص ٥٩): "قال ابن سيرين: كنت أسمع الحديث من عشرة، المعنى واحد والألفاظ مختلفة".