وأداءُ الحديث بلفظِه وسياقِه وتمامِه، مع التنصيص على مواضع التردد والشك في الإسناد أو المتن - هو من علامات ضبط الراوي وأمانته وتحريه وأيُّ غيابٍ لأحدِ هذه الأمور ربما جرَّ إلى حدوثِ خللٍ في الرواية أو كان سببًا في وقوع علة.
فإذا لم يستحضر الراوي لفظ الحديث، أو لم ينشطْ لسَوْقِه كما سمعه، أو سُئل عن مسألةٍ أو قضيةٍ، فأراد أن يستشهد بمعنًى فيه فساق ذلك الحديث بالمعنى أو اختصره، تابعَ الأئمةُ ذلك، وراقبوا الفَرق بين روايته وروايه غيره ممن ساقه بتمامه؛ لينظروا في مظاهر الخلل الحادثة - إن وجدت.
لكن لاحظ أنه ليس كُلُّ اختصارٍ علةً أو سببًا في ضعف الحديث المختصَر، بل إن كبار الحفاظ ربما اختصروا إذا احتاجوا إلى ذلك، لكن بحيث لا يؤثر ذلك في معنى الأصل. هذا البخاري: يكثر من ذلك في"صحيحه"، وربما دلّ ذلك أحيانًا على براعته وحنكته.
ولبيان: كيف تكون الروايةُ بالمعنى أو الاختصارُ سببا في التعليل، أُوردُ هنا بعض المواضع التي قد شرحتُها في كتابي"مُلَحُ الحديث على كتاب علل الحديث" لابن أبي حاتم الرازي، فأقول:
١ - قال ابن أبي حاتم (٢٤٢)(٤٠١):
"سألت أبي عن حديثٍ رواه مروان الفزاري، عن يزيد بن كيسان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلَّى ركعتي الفجر حين طلعتِ الشمسُ. [لفظه في (٤٠١): نام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ركعتي الفجر، فقضاهما بعدما طلعت الشمس].
قال أبي: غلط مروان في اختصاره، إنما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفر، فقال لبلال: "مَن يكلؤنا الليلة؟ فقال: أنا، فغلبه النومُ حتى طلعتِ الشمسُ، فقام النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد طلعتِ الشمسُ، فأمر بلالًا أن يؤذن، وأمر الناسَ أن يصلوا ركعتي الفجر، ثم صلى بهم الفجر، فقد صلى السنة والفريضة بعد طلوع الشمس". اهـ.