ومع هذا فقد يصحح أحدهم لمن يكذبه غيره، فلابد من النظر في رجال السند.
وقد راجعنا "فتح الباري" فذكر فيه ما لفظه: (٣/ ١٦١).
"أي: الخيمة، فقد جاء في موضع آخر بلفظ الفسطاط، كما رويناه في الجزء السادس عشر من حديث الحسين بن إسماعيل بن عبد الله المحاملي رواية الأصبهانيين عنه".
وفي كتاب ابن أبي الدنيا في "القبور" من طريق المغيرة بن مقسم قال: "لما مات الحسن ابن الحسن ضربت امرأته على قبره فسطاطًا، فأقامت عليه سنة فذكر بنحوه".
ولا ندري ما حال السندين إلا أن المغيرة بن مقسم كان أعمى ومدلسا.
وقد ذكر البخاري هذه القصة في (باب: ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور).
قال في "الفتح": "ومناسبة هذا الأثر لحديث الباب أن المقيم في الفسطاط لا يخلو عن الصلاة هناك، فيلزم اتخاذ المسجد عند القبر، وقد يكون القبر في جهة القبلة فتزداد الكراهة. وقال ابن المنير: إنما ضربت الخيمة هناك للاستمتاع بالميت بالقرب منه؛ تعليلًا للنفس، وتخييلا باستصحاب المألوف من الأُنس، ومكابرة للحس .. فجاءتهم الموعظة على لسان الهاتفين بتقبيح ما صنعوا .. الخ".
أقول: تعقبه بعضهم بأن الظاهر أنها إنما ضربت الخيمة للاجتماع لقراءة القرآن، وهذا مع كونه ممنوعًا -أيضًا- مردود بقول الهاتفين:"هل وجدوا ما فقدوا، بل يئسوا فانقلبوا".
فالقصة فيها زِراية على زوجة الحسن، وهي كما في الفتح، فاطمة بنت الحسين بن علي -رضي الله عنهم-، بل وعلى أهل البيت الموجودين حينئذ كلهم.
فالذي عندي أن هذه القصة لا تصح، فإن أهل البيت أعلم بالله عز وجل، وأكمل عقولا، وأثبت قلوبًا، من أن يقع لهم مثل هذه القصة.