• وقيل للحكم بن عتيبة: لَمِ لَمْ ترو عن زاذان؟ قال: كان كثير الكلام.
* * *
وكانوا يطعنون فيمن خالط الأمراء، أو قَبِلَ عطاياهم، أو عَظَّمَهُم، بل ربما بالغوا في ذلك، كما وقع لمحمد بن بشر الزنبري المصري مع سعة علمه، كان يملي الحديث على أهل بلده فاتفق أن خرج الملك غازيا، فخرج الزنبري يشيعه، فلما انصرف، وجلس يوم الجمعة في مجلسه، قام إليه أصحاب الحديث، فنزعوه من موضعه، وسبوه وهموا به، ومزقوا رواياتهم، ثم ذكره ابن يونس في "تاريخ مصر"، فقال:"لم يكن يشبه أهل العلم".
إنما كانوا يتسامحون فيمن بلغ من الجلالة بحيث يُعلم أنه إنما يخالط الأمراء ليأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، ويكفهم عن الباطل ما استطاع، كالزهري ورجاء بن حيوة.
وروى الشافعي، قال: دخل سليمان بن يسار على هشام بن عبد الملك، فقال له: يا سليمان، الذي تولى كبره من هو؟ يعني في قول الله تعالى {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[النور: ١١]- قال: عبد الله بن أُبي، قال كذبت، هو فلان، قال: أمير المؤمنين أعلم بما يقول، فدخل الزهري، فقال: يا ابن شهاب، من الذي تولى كبره؟ قال: ابن أُبي، قال: كذبت، هو فلان. فقال الزهري لهشام: أنا أكذب؟ لا أبا لك؟ والله لو نادى منادٍ من السماء: إن الله أحل الكذب ما كذبت، حدثني عروة، وسعيد، وعبيد الله، وعلقمة، عن عائشة: أن الذي تولى كبره عبد الله بن أُبي .. وذكر تمام القصة، وفيها خضوع هشام للزهري، واسترضاؤه له.
وقد وقعت للزهري قصةٌ تُشبه هذه مع الوليد بن عبد الملك، وفيها: أن الوليد قال له: يا أبا بكر، مَنْ تولى كبره؟ أليس فلانا؟ قال الزهري: قلت: لا. فضرب