ومن الأئمة من لا يُوَثِّقُ مَنْ تَقَدَّمَهُ حتى يطلع على عدة أحاديث له، تكون مستقيمة، وتكثر حتى يغلب على ظنه أن الاستقامة كانت ملكة لذاك الراوي.
وهذا كله يدل على أن جُلَّ اعتمادِهم في التوثيق والجرح إنما هو على سَبْرِ حديث الراوي، وقد صرح ابن حبان بأن المسلمين على الصلاح والعدالة حتى يتبين منهم ما يوجب القدح، نص على ذلك في "الثقات"، وذكره ابن حجر في "لسان الميزان"(١/ ١٤) واستغربه، ولو تدبر لوجد كثيرًا من الأئمة يبنون عليه، فإذا تتبع أحدهم أحاديث الراوي، فوجدها مستقيمة، تدل على صدقٍ وضبطٍ، ولم يبلغه ما يوجب طعنًا في دينه، وَثَّقَهُ، وربما تجاوز بعضهم هذا كما سلف، وربما يبني بعضهم على هذا حتى في أهل عصره.
وكان ابن معين إذا لقي في رحلته شيخًا، فسمع منه مجلسًا، أو ورد بغداد شيخٌ، فسمع منه مجلسًا، فرأى تلك الأحاديث مستقيمة، ثم سُئل عن الشيخ، وَثَّقَهُ، وقد يتفق أن يكون الشيخُ دجالا، استقبل ابن معين بأحاديث صحيحة، ويكون قد خلط قبل ذلك، أو يخلط بعد ذلك.
ذكر ابن الجنيد أنه سأل ابن معين عن محمد بن كثير القرشي الكوفي فقال:"ما كان به بأس"، فَحُكِيَ له عنه أحاديثُ تُستنكر، فقال ابن معين:"فإن كان هذا الشيخ روى هذا فهو كذاب، وإلا فإني رأيت حديث الشيخ مستقيمًا".
وقال ابن معين في محمد بن القاسم الأسدي:"ثقة وقد كتبت عنه"(١)، وقد كذبه أحمد، وقال:"أحاديثه موضوعة"، وقال أبو داود:"غير ثقة ولا مأمون، أحاديثه موضوعة".
(١) لكن ابن معين يظهر أنه قد غير رأيه بعد ذلك، فكذبه، كما في رواية ابن محرز عنه، ولم يرضه، كما في رواية الدوري عنه وقال: ليس بشيء، كما في رواية ابن الجنيد عنه.