بل قد يتكلم أحدهم فيمن لقيه مرة واحدة، وسمع منه مجلسًا واحدًا، أو حديثًا واحدًا، وفيمن عاصره ولم يلقه، ولكنه بلغه شيء من حديثه، وفيمن كان قبله بمدة قد تبلغ مئات السنين إذا بلغه شيء من حديثه.
ومنهم من يجاوز ذلك.
فابن حبان قد يذكر في "الثقات" من يجد البخاري سماه في "تاريخه" من القدماء، وإن لم يعرف ما روى، وعمن روى، ومن روى عنه، ولكن ابن حبان يشدد وربما تعنت فيمن وجد في روايته ما استنكره، وإن كان الرجل معروفًا مكثرًا.
والعجلي قريب منه في توثيق المجاهيل من القدماء، وكذلك ابن سعد، وابن معين، والنسائي، وآخرون غيرهما، يوثقون من كان من التابعين أو اتباعهم إذا وجدوا رواية أحدهم مستقيمة، بأن يكون له فيما يروي متابع أو شاهد، وإن لم يرو عنه إلا واحد، ولم يبلغهم عنه إلا حديث واحد.
فممن وثقه ابن معين من هذا الضرب:
الأسقع بن الأسلع، والحكم بن عبد الله البَلَوِي، ووهب بن جابر الخَيْواني وآخرون.
وممن وثقه النسائي:
رافع بن إسحاق، وزهير بن الأقمر، وسعد بن سمرة وآخرون.
وقد روى العوام بن حوشب، عن الأسود بن مسعود، عن حنظلة بن خويلد، عن عبد الله بن عمرو بن العاص حديثًا، ولا يُعرف الأسود وحنظلة إلا في تلك الرواية، فوثقهما ابن معين.
وروى همام، عن قتادة، عن قدامة بن وَبَرةَ، عن سمرة بن جندب حديثًا، ولا يُعرف قدامة إلا في هذه الرواية، فوثقه ابن معين، مع أن الحديث غريب، وله علل أخرى راجع "سنن البيهقي"(٣/ ٢٤٨).