للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بين الباحث وبين الصحابي إلا رجل واحد، فيخبره عما أدركه، بخلاف الحال في متقدمي الوفاة كأُبيّ بن كعب.

الوجه الثالث:

كان الصحابة في عهد أُبي بن كعب متوافرين، فلم يكن لطلبة العلم كبيرُ حرصٍ على لقائه؛ لأنهم يجدون غيره من الصحابة، ويرون أنه إن مات لم يَفُتْهُم شيءٌ؛ لبقاء كثير من الصحابة، وهو لعلمه بذلك لم يكن يبذل نفسه، حتى نُسب إلى شراسة الخلق، فلعله لم يكن يتجشم لقاءه إلا ذوو الأسنان، فإذا نظرنا في الرواة عنه فلم نجد فيهم إلا من كان رجلًا في عهد عمر، لم يكن في ذلك دلالة بينة على أنه توفي في عهد عمر.

فأما ابن جزء فكان آخر الصحابة بمصر، فطلبة العلم بغاية الحرص على السماع منه؛ لأنهم يرون أنه إن مات لم يجدوا صحابيًا آخر، ونزلوا طبقة عظيمة، وهو لعلمه بذلك يبذل نفسه لتحديث من يريد أن يسمع منه، صغيرًا كان أم كبيرًا، كما كان سهل بن سعد يقول: "لو مت لم تسمعوا أحدًا يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" كما في ترجمته من "الاستيعاب"، يحرضهم بذلك والله أعلم على السماع منه.

ولما مات أنس قال مورق العجلي: ذهب اليوم نصف العلم. قيل كيف ذاك؟ قال: كان الرجل من أهل الأهواء إذا خالفنا في الحديث، قلنا: تعال إلى من سمعه من النبي -صلى الله عليه وسلم-.

فالظن بمن كان من طلبة العلم بمصر أنه إذا بلغ سنَّ الطلب في حياة ابن جزء، كان أهم شيء عنده أن يلقاه ويسمع منه، فلو عاش ابن جزء إلى سنة ٩٧ أو ٩٩، لكان في الرواة عنه من لم يبلغ سن الطلب إلا قبل ذلك بقليل، ولو كان فيهم من هو كذلك لاشتهر أمره لعلو سنده، ولما خفي على مثل ابن يونس وغيره ممن ذكر وفاة ابن جزء.

<<  <  ج: ص:  >  >>