"الصحيحُ في هذا الباب أنَّ مَنْ صَحَّتْ عدالتُه، وثبتت في العلم أمانتُه، وبانت ثقته وعنايته بالعلم، لم يُلتفت فيه إلى قولِ أحدٍ، إلا أن يأتي في جرحته ببينة عادلة، تصح بها جرحته على طريق الشهاداتِ والعملِ فيها من المشاهدة والمعاينة". اهـ.
قال السخاوي في "فتح المغيث":
"ليس المرادُ إقامةَ بينةٍ على جرحه، بل المعنى أنه يَستند في جَرحه على ما يَستند إليه الشاهدُ في شهادته، وهو المشاهدةُ ونحوها". اهـ.
قد يُقالُ: إن كان المرادُ بثبوتِ العدالةِ أن يتقدمَ التعديلُ والحكمُ به والعملُ بحسبه على الجرحِ (١)، فهذا إنما يكثرُ في الشهود.
وإن كان المرادُ بثبوتها حصولَ تعديل على أي حالٍ كان، فهذا لا وجهَ له؛ فقد تقدم في القاعدة السادسة ما يُعلم منه أن التعديلَ يتفاوتُ، ويحتملُ كثيرٌ منه الخللَ كما يحتملُهُ الجرحُ الذي لم يُشْرَحْ كُلَّ الشَّرْحِ، أو أشد.
ومن تَتَّبَعَ صنيعَ أهل العلم تبَيَّنَ له أنهم كثيرًا ما يُقدمون الجرحَ الذي لم يُشْرَحْ كُلَّ الشَّرْحِ على التوثيق، كما في حالِ إبراهيم بن أبي يحيى والواقدي وغيرهما.
وكثيرًا ما يقع للبخاري وغيره القدحُ فيمن لم يُدركوه، وقد سبقَ أن عدَّلَهُ معدِّلٌ أو أكثر، ولم يَسبق أن جرحه أحدٌ.
فأقول: الذي يتحررُ أن للعدالة جهتين:
الأولى: استقامة السيرة، وثبوت هذا بالنظر إلى هذه القاعدة تظهر فيمن تظهر عدالته ويُعدل تعديلًا معتمدًا، وتمضي مدة، ثم يجرح. فأما ما عدا ذلك، فالمدار على الترجيح، وقد مَرَّ في القاعدة السابقة.