السُّنَّة، كمؤمل بن إسماعيل، أو فقيهٌ كمحمد بن أبي ليلى، فتجدُ أهلَ العلم ربما يُثنون على الرجل من هؤلاء غيرَ قاصدين الحُكمَ له بالثقة في روايته.
وقد يرى العالِمُ أن الناسَ بالغوا في الطعن، فيبالغُ هو في المدح، كما يُروى عن حماد بن سلمة أنه ذُكر له طعنُ شعبة في أبان بن أبي عياش، فقال: أبان خير من شعبة.
وقد يكونُ العالِمُ وادًّا لصاحبه، فيأتي فيه نحوُ ما تقدم، فيأتي بكلماتِ الثناء التي لا يقصد بها الحكم، ولا سيما عند الغضب، كأن تسمع رجلًا يذم صديقك أو شيخك أو إمامك، فإن الغضب قد يدعوك إلى المبالغة في إطراء من ذَمَّهُ، وكذلك يقابلُ كلماتِ التنفير بكلمات الترغيب.
وكذلك تجدُ الإنسانُ إلى تعديل مَنْ يميل إليه ويحسن به الظن أسرعَ منه إلى تعديل غيره، واحتمالُ التسمُّحِ في الثناء أقربُ من احتماله في الذم؛ فإن العالم يمنعه من التسمُّحِ في الذم الخوفُ على دينه لئلا يكون غيبة، والخوف على عِرضه؛ فإن من ذم الناس فقد دعاهم إلى ذمه.
ومن دعا الناسَ إلى ذمِّه ذموه بالحق وبالباطل
ومع هذا كُلِّهِ، فالصوابُ في الجرح والتعديل هو الغالبُ، وإنَّما يُحتاج إلى التثبت والتأمل فيمن جاء فيه تعديل وجرحٌ، ولا يسوغُ ترجيحُ التعديلِ مطلقًا بأنَّ الجارحَ كان ساخطًا على المجروح، ولا ترجيحُ الجرحِ مطلقًا بأنَّ المعدِّلَ كان صديقًا له، وإنَّما يُستدل بالسخط والصداقة على قوة احتمال الخطأ إذا كان محتملًا، فأما إذا لزم من اطراح الجرح أو التعديل نسبةُ من صَدَر منه ذلك إلى افتراء الكذب أو تعمد الباطل أو الغلط الفاحش الذي يندر وقوع مثله من مثله، فهذا يحتاج إلى بينة أخرى، لا يكفي فيه إثبات أنه كان ساخطًا أو محبًا.