"أول ما يجب البحث عنه هنا هو النظر في أبي جعفر السكري حاكي القصة، أثقة هو أم لا؟ .. وقد فتشت عنه فلم أعرفه، ورأيت القصة في "تاريخ بغداد" (ج ١٤ ص ٣٠١) وفيها: "صديق للربيع"، وهذا يُشعر أنه ليس بالمعروف (١).
فعلى هذا لا تثبت القصة، وإن دلت الشواهد على أن لها أصلًا في الجملة، فإن ذلك لا يُثبت من تفاصيلها ما لا شاهد له.
وفي "توالي التأسيس" (ص ٨٤) عن الربيع صاحب الشافعي قال: "وجَّه الشافعي الحميدي إلى الحلقة، فقال: الحلقة لأبي يعقوب البويطي، فمن شاء فليجلس، ومن شاء فليذهب".
وكان البويطي أسنَّ أصحابِ الشافعي وأفقههم، حتى كان الشافعي يعتمده في الفتيا، ويحيل عليه إذا جاءته مسألة، كما في "الطبقات الشافعية"، وكان ابن عبد الحكم حينيذ فتى ابن إحدى وعشرين سنة، فلم يكن قد استحكم علمه ولا عقله، فمنازعته للبويطي طيشة من طيشات الشباب.
وكان الحميدي أعلمهم بالحديث وأقدمهم صحبة للشافعي؛ لأنه قدم معه من الحجاز إلى مصر، والباقون إنما صحبوه بمصر، والحميدي قرشي مكي كما أن الشافعي كذلك، فهو أقربهم إلى الشافعي وألصقهم به.
(١) في ذيل العراقي على الميزان (٤٣٥): أحمد بن إسحاق البغدادي: قال الخطيب: روى عنه أبو عوانة حديثا معللا: "من عفا عن دم لم يكن له ثواب إلا الجنة". وفي الثقات لابن حبان (٨/ ٥٢): أحمد بن إسحاق السكري أبو جعفر من أهل سامرا روى عن أبي الوليد الطيالسي ثنا عنه أصحابنا. فيجوز أن يكون هو. اهـ. وفي "تاريخ بغداد" (٤/ ٢٩): "أحمد بن إسحاق البغدادي أخبرنا البرقاني حدثنا على بن الحسن الجويني حدثنا أبو عوانة يعقوب بن إسحاق حدثنا أحمد بن إسحاق البغدادي أخبرنا أحمد بن أبى الطيب ثقة حدثنا أبو إسحاق الفزاري عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من عفا عن دم لم يكن له ثواب إلا الجنة". قال أبو عوانة هذا غريب لا آمن أن يكون له علة". اهـ.