وقد غمزه بعضهم بشيء آخر قال الخطيب:"كان بعض كتبه غرق، فاستحدث نسخها من كتابٍ لم يكن فيه سماعه، فغمزه الناس، إلا أنا لم نر أحدًا امتنع من الرواية عنه ولا ترك الاحتجاج به، وقد روى عنه من المتقدمين: الدارقطني وابن شاهين .... سمعت أبا بكر البرقاني سئل عن ابن مالك، فقال: كان شيخًا صالحًا .... ثم غرقت قطعة من كتبه بعد ذلك، فنسخها من كتابٍ ذكروا أنه لم يكن سماعه فيه، فغمزوه لأجل ذلك، وإلا فهو ثقة".
قال الخطيب:"وحدثني البرقاني قال؛ كنت شديد التنقير عن حال ابن مالك، حتى ثبت عندي أنه صدوق لا يُشك في سماعه، وإنما كان فيه بُلْه، فلما غرقت "القطيعة" بالماء الأسود، غرق شيء من كتبه، فنسخ بدل ما غرق من كتابٍ لم يكن فيه سماعه".
أقول؛ أجاب ابن الجوزي في (المنتظم) ج ٧ ص ٩٣ عن هذا بقوله: "مثل هذا لا يطعن به عليه؛ لأنه يجوز أن تكون الكتب قد قُرأت عليه، وعُورض بها أصلُه، وقد رَوى عنه الأئمة، كالدارقطني وابن شاهين والبرقاني وأبي نعيم والحاكم".
أقول: وقال الحاكم "ثقة مأمون"، ... والذين ذكروا الاستنساخ لم يذكروا أنه رَوى مما استنسخه، ولو علموا ذلك لذكروه؛ لأنه أَبْيَنُ في التليين، وأبلغ في التحذير، وليس من لازم الاستنساخ أن يروي عما استنسخه، ولا أن يعزم على ذلك، وكأنهم إنما ذكروا ذلك في حياته لاحتمال أن يروي بعد ذلك عما استنسخه، وقد قال الخطيب في (الكفاية) ص ١٠٩: "ومذاهب النقاد للرجال غامضة دقيقة، وربما سمع بعضهم في الراوي أدنى مغمز فتوقف عن الاحتجاج بخبره وإن لم يكن الذي سمعه موجبًا لرد الحديث ولا مسقطًا للعدالة، ويرى السامع أن ما فعله هو الأولى رجاء إن كان الراوي حيًا أن يحمله على التحفظ وضبط نفسه عن الغميزة، وإن كان ميتًا أن ينزله من ثقل عنه منزلته، فلا يلحقه بطبقة السالمين من ذلك المغمز. ومنهم