فإذا تدبرنا ما تقدم تبين لنا أن لابن أبي الزناد أحوالًا:
الأولى: حاله فيما يرويه عن هشام بن عروة، قال ابن معين إنه أثبت الناس فيه، فهو في هذه الحال في الدرجة العليا من الثقة.
الثانية: حاله فيما يرويه عن أبيه عن الأعرج عن أبي هريرة، ذكر الساجي عن ابن معين أنه حجة وهذا قريب من الأول، وظاهر الإطلاق أنه سواء في هاتين الحالين: ما حدث به المدينة وما حدث به بغداد، وهذا ممكن بأن يكون أتقن ما يرويه من هذين الوجهين حفظًا، فلم يؤثر فيه تلقين البغداديين، وإنما أثر فيه فيما لم يكن يُتقن حفظه، فاضطرب فيه، واشتبه عليه.
الثالثة: حاله فيما رواه من غير الوجهين المذكورين بالمدينة، فهو في قول عمرو بن علي والساجي أصح مما حدث به ببغداد، ونحو ذلك قول علي بن المديني على ما حكاه يعقوب، وصرح ابن المديني في حكاية ابنه أنه صحيح.
قال أبو أنس:
وفي رواية يعقوب بن شيبة عنه:"حديثه بالمدينة مقارب".
أقول: السياق يفيد أن ما حدث به ابن أبي الزناد ببغداد، فقد لقنه البغداديون وأفسدوه, فصار ما يحدث به ليس من حديثه, أما ما حَدَّث به بالمدينة فهو صحيح: أي هو من حديثه لم يُلَقَّنْهُ، ويبقى النظر في حال ابن أبي الزناد في نفسه, لا أن ما حدث به في المدينة فهو حديث صحيح أي يحتج به.
والأئمة لا يعتبرون بما يحدث به الرجل إلا إذا كان من حديثه, لم يُلَقَنْهُ أو يُدخل عليه أو يَدخل له إسناد في إسناد، أو نحوه، ولذلك يميزون أولًا بين ما هو من حديثه الذي سمعه, وبن ما ليس من حديثه، لأن ما ليس من حديثه ريح لا قيمة له، ثم ينظرون في حديثه بالسَّبرِ والاعتبار وعرضه على أحاديث الثقات.