من ذلك ما رواه الخطيب في تاريخ بغداد (١١/ ٤٨) من طريق القاسم بن عبد الرحمن الأنباري، قال حدثنا أبو الصلت الهروي، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أنا مدينة العلم وعليُّ بابها، فمن أراد العلم فليأت بابه".
قال القاسم: سألت يحيى بن معين عن هذا الحديث، فقال: هو صحيح.
قال الخطيب: أراد أنه صحيح من حديث أبي معاوية، وليس بباطل، إذ قد رواه غير واحد عنه. اهـ.
ومقصود ابن معين فيما رواه القاسم عنه أن الحديث معروف من حديث أبي معاوية، لم ينفرد به أبو الصلت الهروي عنه، بل قد تابعه عليه محمد بن جعفر الفيدي، كما قال ابن معين في رواية الدوري (تاريخ بغداد: ١١/ ٥٠).
أما الحديث في نفسه، فاستنكره الأئمة, منهم ابن معين نفسه، فقد قال في رواية عبد الخالق بن منصور عنه: ما هذا الحديث بشيء (تاريخ بغداد: ١١/ ٤٩).
وللعلامة المعلمي بحث ممتع حول هذا الحديث في حاشية "الفوائد المجموعة" ص (٣٤٩ - ٣٥٣)، وهو منشور في تراجم البعض مثل: الأعمش، والفيدي وغيرهما، من القسم الأول من هذا الكتاب.
وكذلك قولهم في الراوي:"كتابه صحيح" فهو يقتضي أن في حفظه شيئًا، ومع ذلك فليس معناه أن كل حديث في كتابه هو صحيح يحتج به، وإنما معناه أنه يُنظر في أحاديثه من خلال كتابه، وأما حفظه فلا يُعتمد عليه.
مع الأخذ في الاعتبار أن الكتاب لا يُعفي صاحبه من أوجه الخلل المعروفة الناشئة عن سوء الأخذ، والوهم في السماع، وأثناء الكتابة، من التصحيف والتحريف، والأخطاء الواقعة أثناء التحويل من كتاب إلى كتاب، أو الاعتماد على الغير في إدراك ما فات سماعه أو كتابته - إلى غير ذلك من مداخل الخلل في الكتب.