وأهل العلم قد يحكمون على الأمر بأنه كفر، ولا يحكمون بأن كل من وقع منه خارج عن الملة؛ لأن شرط ذلك أن لا يكون له عذر مقبول، ويأتي مثل هذا في الزنا والربا وغيرهما.
وقد جاء في الحديث تعريفُ الغِيبة بأنها ذِكْرُك أخاك بما يكره، وقد يذكر المؤمن أخاه بما يكره غير شاعر بأنه يكرهه، بل ظانا أنه يحبه، فلا يلحقه الإثم، وإن صح أن يُسمى ما وقع منه غيبة، وصح أن يقال: الغيبة حرام يأثم صاحبها، وقد قال الله تبارك وتعالى:{مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[النحل: ١٠٦].
المختار في معنى الآية أن التقدير:"من كفر بالله بعد إيمانه فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان"، فحذف هذا الجواب وهو قولنا "فعليهم غضب ... " لدلالة ما بعد ذلك عليه.
فدل الاستثناء على أن من أُكره فأظهر الكفر ؤقلبه مطمئن بالإيمان، فقد كفر من بعد إيمانه، وإن كان لا غضب عليه ولا عذاب.
ومع هذا فقد يكون أطلق في القرآن في مواضع كثيرة ترتب العقوبة على الكفر، فعلم بذلك جواز ذاك الإطلاق، وإن كان الحكم مختصًا بغير المكره؛ لأنه قد قام الدليل على إخراج المكره، فلا محذور في الإطلاق.
فكذلك هنا، لا حرج في إطلاق أن قول تلك الكلمة كفر مخرج عن الملة، وإن كان هذا الحكم مختصًا بمن ذكرنا". اهـ.
• وفي ترجمة: علي بن عبد الله بن المديني (١٦٣):
قال الشيخ المعلمي:
"أما مسايرته لابن أبي داود، فقد أجاب عنها مرارًا بأنه مُكره، وكان في أيام المحنة إذا خلا بمن يثق به من أهل السنة ذكر له ذلك، وأنه يرى أن الجهمية كفار، جاء ذلك من طرق.