فإن قيل: لم يكن الدعاةُ يُكرهون أحدًا أن يكون معهم، وإنما كانوا يُكرهون على قولِ مثلِ مقالتهم، كما فعلوا بيحيى بن معين وغيره، فكيف أَكرهوا ابن المديني على مسايرتهم؟
قلت: كان الدعاة يرون أنه لا غنى لهم عن أن يكون بجانبهم من يعارضون به الإمام أحمد، ولم يكن هناك إلا ابن المديني أو يحيى بن معين، فأما ابن معين فإنه وإن كان أضعف صبرًا وأقل ثباتًا من أحمد بحيث أنه أجاب عند الإكراه إلى إجراء تلك المقالة على لسانه، فلم يكن من الضعف بحيث إذا هددوه وخوفوه على أن يسايرهم ليجيبهم إلى ذلك، ولعلهم قد حاولوا ذلك منه فأخفقوا، فما بقي إلا ابن المديني، وكان هو نفسه شهد على نفسه بالضعف قال:"قوي أحمد على السوط ولم أقو". وقال لابن عمار:"خفتُ أن أُقتل، وتَعلم ضعفي، أني لو ضُربت سوطًا واحدًا لمت" أو نحو هذا. وقال لأبي يوسف القلوسي لما عاتبه:"ما أهون عليك السيف". وقال لعلي بن الحسين:"بَلِّغْ قومَك عَنِّي أن الجهمية كفار، ولم أجد بُدًا من متابعتهم؛ لأني حُبست في بيتٍ مظلمٍ، وفي رجلي قيد، حتى خفت على نفسي". وذُكر عند يحيى بن معين فقال:"رجل خاف" ..... ". اهـ.
• وفي ترجمة: نعيم بن حماد (٢٥٨):
قال المعلمي:
"نعيم من أخيار الأمة وأعلام الأئمة وشهداء السنة، ما كفى الجهمية الحنفية أن اضطهدوه في حياته, إذ حاولوا إكراهه على أن يعترف بخلق القرآن، فأبى، فخلدوه في السجن مثقلًا بالحديد حتى مات، فَجُرَّ بحديده, فأُلقي في حفرة، ولم يكفن ولم يُصل عليه -صلت عليه الملائكة- حتى تتبعوه بعد موته بالتضليل والتكذيب ... ". اهـ.