الطابعون بالطبع، فكلما فرغ من كراسة سلمها إليهم للطبع، وهذا أقرب من الذي قبله، ولكنه ليس بجيد؛ لأن فيه تضييق الوقت على المصحح إذ يلزمه أن يصحح كل يوم المقدار الذي يكفي للطبع في اليوم الثاني مثلًا، وهذا لا يتأتى له مع الوفاء بحق التصحيح إذ قد لا يمكنه أن يتقن في اليوم إلا تصحيح صفحة واحدة.
فالصواب أن لا يشرع في طبع الكتاب حتى يتم تصحيحه أو على الأقل تصحيح قطعة كبيرة منه يغلب على الظن أن الطابعين لا يفرغون من طبعها حتى يفرغ المصحح من بقية الكتاب أو قطعة أخرى كبيرة منه على الأقل.
هذا وقد اصطلح المصريون أخيرا على تسمية التصحيح العلمي "تحقيقا" تمييزًا له عن التصحيح الطباعي، وإلا وضح التمييز بالصفة كما ترى، وهذا الباب معقود للتصحيح العلمي كما علمت وفيه مباحث.
المبحث الأول: في الحاجة إليه:
هاهنا آراء، الأول:
يرى بعض الناس أن الكتب القديمة التي لم تطبع إذا وجدت منها نسخة قديمة جيدة في الجملة كفى في إحياء الكتاب ونشره أن يطبق المطبوع على تلك النسخة؛ لأن المهم إنما هو تدارك ذاك الكتاب، فإذا طبق المطبوع على تلك النسخة ثم طبع منه ألف نسخة فكأنه قد حصل من أمثال تلك النسخة ألف نسخة، وكل من وقع له نسخة من المطبوع كأنه وقعت له تلك النسخة القلمية نفسها.
وقد طبع المستشرقون أنساب السمعاني بالزنكوغراف ونشروه، فانتفع الناس به وراجت نسخه على غلاء ثمنها مع ما فيه من الأغلاط الكثيرة. وفي هذا الصنيع تقليل للعمل وتوفير للنفقات؛ وذلك مما يرغب ملتزمي الطبع في طبعها، فيسهل اقتناؤها على الراغبن مع الوفاء بالأمانة كما ينبغي، فإن كان هناك في الأصل أغلاط فكل عالم تقع له نسخة من المطبوع يصحح لنفسه.