قلت: كفى بهذا حَطًّا لقيمة المطبوع وتزهيدا للناس فيه، ولهذا لا تجد مطبوعًا إلا ويدعي طابعه أنه اعتنى بتصحيحه وبالغ، رغما عن أن كثيرا منها مشحون بالأغلاط، وهذه الطبعة الأولى من تفسير ابن جرير بمطبعة الميمنية بمصر، فتثبت في طرة كل من أجزائها الثلاثين بعد ذكر أن الكتاب طبع عن نسختين:(وقد بذلنا الطاقة في تصحيحها ومراجعة ما يحتاج إلى المراجعة من مظانه الموثوق بترجيحها مع عناية جمع من أفاضل علماء مصر بالتصحيح تذكر أسماؤهم في آخر الكتاب).
ولم أر في آخر الكتاب اسم أحد من العلماء إلا مصححه محمد الزهري الغمراوي. فكأن هذا الرجل هو القائل "قد بذلنا ... " وهو نفسه الجمع من علماء مصر، وما زعمه من مراجعة المظان لا يكاد يظهر له أثر في الكتاب على طوله، وكذلك المقابلة على نسختين، فإن المطبوع مشحون بالأغلاط، وكثير منها جدًّا يبعد أن يتفق عليه أصلان، وكثير منها جدًّا يمكن تصحيحه بأدنى مراجعة للمظان والله المستعان.
بل إن في المطبوعات الحديثة بمصر ما يقارب هذا.
ومن المفاسد أن يكثر في الأصول القلمية الأغلاط الواضحة، فإن قيل: يطبع كذلك، كان ذلك مما يرغب الناس عن المطبوع وشيء سمعة المطبعة جدًّا، وإن قيل: أما هذا فيصحح، فقد رجعتم إلى التصحيح، ثم إن كان الموكول إليه ذلك أهلًا للتصحيح فلماذا لا يكلف التصحيح الكامل، وإن لم يكن أهلًا كان في ذلك مفسدة أعظم؛ فإن القاصر يحسب كثيرًا من الصواب خطأ واضحا كما يعرفه من ابتلي بالتصحيح من أهل العلم مع هذا الضرب، فالإذن للقاصر بتصحيح ما يراه خطأ واضحًا نتيجته أن يضاف في المطبوع أغلاط كثيرة إلى أكثر أغلاط الأصل القلمي مع إيهام أنها فيه.