للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . .


= ومثال الثاني: أقوام من الرواة أخذوا كتب الناس بغير سماع، فرووا ما فيها سرقةً وانتحالًا، انظر على سبيل المثال ترجمة عبد الله بن زياد بن سمعان، وستأتي إن شاء الله تعالى.
ومثال الثالث: ما رواه أبو بكر الأثرم، قال: سمعت أَبا عبد الله أحمد بن حنبل ذكر الحديث الذي رواه الأنصاري -وهو محمد بن عبد الله بن المثنى- عن حبيب بن الشهيد، عن ميمون، عن ابن عباس: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- احتجم وهو صائم". فضعَّفَهُ، وقال: كانت ذهبت للأنصاري كُتُبٌ، فكان بَعدُ يُحدثُ من كُتُبِ غلامه أبي حكيم، أُراه قال: وكان هذا من ذلك. اهـ "تاريخ بغداد" (٥/ ٤١٠).
والأنصاري ثقة، ولكنه لم يكن مبرزًا في الحفظ، وكان قد غلب عليه الرأي، ولم يكن من فرسان الحديث. انظر "تهذيب الكمال" (٢٥/ ٥٤٢ - ٥٤٥).
والمقصود هنا أن مَنْ وَصَفَ أَبا أسامة بالتدليس، إن كان بني على قضية استعارته للكتب، فليس فيها أنه كان يروي منها ما لم يسمع مما ليس من حديثه، كما سبق بيانه.
وإن كان بني على كلام ابن نمير، فقد كان ابن نمير متحاملًا عليمع أما سائر الأئمة فقد بَيَّنُوا أن أَبا أسامة إنما أخطأ في ذلك ووهم فيه -كما مَرَّ- والواهم غيرُ قاصدٍ للإيهام، فليس بمدلسٍ.
ومما يحسن التنبيه عليه بهذه المناسبة، ما وقع من الأستاذ/ نور الدين عتر في تعليقه على كتاب "شرح علل الترمذي" من الإغراب في تصور معنى كلام الحافظ ابن رجب في تبويبه لما وقع لأبي أسامة وغيره بنحو هذا الوهم:
فقد قال ابن رجب (٢/ ٦٧٩): "ذكْرُ من حَدَّث عن ضعيف وسماه باسم ثقة". وأورد ما وقع لأبي أسامة ومثله لحسين الجعفي، ولزهير بن معاوية، ولأبي بلج الواسطي، ولجرير ابن عبد الحميد، ولأهل الشَّام عن زهير بن محمد.
وبيَّن ابن رجب أخطاء هؤلاء في تسمية بعض شيوخ لهم، فأبو أسامة وحسن الجعفي أخطئا في عبد الرحمن بن يزيد فجعلاه: ابن جابر، وإنما هو: ابن تميم.
وزهير بن معاوية انقلب عليه اسم: صالح بن حيان، فجعله: واصل بن حيان، ولم يوصف زهير بتدليس أصلًا.
وأبو بلج الواسطي أخطأ في اسم عمرو بن ميمون، وليس هو ذاك المشهور، وإنما هو ميمون أبو عبد الله مولى عبد الرحمن بن سمرف وهو ضعيف. ونحو ذلك الباقون، وليس في هذا الباب ذكر التدليس، وإنما هي أوهام وأخطاء، إلا ما كان من قول ابن نمير في أبي أسامة، وقد سبق الجواب عليه.
ثم قال ابن رجب بعد ذلك (٢/ ٦٩٠): "ذِكْرُ من روى عن ضعيف وسماه باسم يتوهم أنه اسم ثقة".
فزاد في العنوان هنا لفظ الإيهام، وهو شرط التدليس، ثم ذكر ما وقع من: عطية العوفي، والوليد ابن مسلم، وبقية بن الوليد، وحسن بن واقد. =

<<  <  ج: ص:  >  >>