قال الذهبي في "تاريخ الإسلام": تلقت الأُمة حديث أبي أسامة بالقبول لحفظه ودينمن ولم يُنْصِفْهُ ابن نمير اهـ. أقول: لو ثبت أن ابن نمير اتهم أَبا أسامة بتدليس اسم هذا الرجل، فقد عَذَرَ أَبا أسامة سائر الأئمة، ووصفوه بالوهم فيمع وقد شاركه في هذا الوهم: حسين الجعفي -وهو ثقة أيضًا- كما حكاه البخاري في "التاريخ الكبير" (٥ / ت ١١٥٦)، وأبو زرعة وأبو حاتم "الجرح" (٥ / ت ١٤٢٣)، وراجع "تهذيب الكمال" (١٧/ ٤٨٢ - ٤٨٦)، (١٨/ ٨) وغيره. الخامس: قضية دفن أبي أسامةكتبه واستعارته كتب غيره -إن ثبتت الاستعارة- لا تخدش فيه، وذلك لأنه هو في نفسه قد سبق أنه كان ثقةً ثبتًا حافظًا صحيح الكتاب، كيِّسًا عاقلًا، لا يكاد يخطىء، فقد دفن كتبه ثقةً بحفظه وربما لغير ذلك أيضًا، وقد دفن بعض الأئمة كتبهم، انظر "سير أعلام النبلاء" (١١/ ٣٧٧). وأما استعارته الكتب، فقد قال وكيع: "نهيتُ أَبا أسامة أن يستعير الكتب، وكان دفن كتبه". فليس في هذا القول تصريح بأن أَبا أسامة كان يستعير الكتبص وإنما فيه نهي وكيع له عن ذلك، فلعلَّ وكيعًا لما رأى أَبا أسامة دفن كتبه بادر فحذَّره من استعارة الكتب، خشيةَ أن يروي أبو أسامة ما فيها من أحاديثه، فتقع له أشياء لم تكن في كتبه التي دفنها. لكن لو ثبتت الاستعارة، فلا يلزم منها أن يروي حماد ما نُكر، ولو ثبت أنه نظر في كتب غيره، فوجد فيها أحاديث يحفظها فرواها، فلا يقدح هذا فيه البتة؛ لأن مدار الأمر على الضبط والتثبت، وقد كان حافطا ضابطًا متثبتًا، فلا يُظَنُّ به إلا أنه يروي ما حفظه وضبطه، يدل على ذلك تداول الأئمة النقاد لحديثه والاحتجاج به، دون الإشارة إلى روايته من كتب يخرج وذلك اطمئنانًا إلى ضبطه -رحمه الله-. وقضية الرواية من كتب الغير قد تناولها الأئمة، وبَيَّنوا أن الرواةَ في ذلك ليْسَوْا على وتيرة واحدة، وأنه بينما يُقْبَلُ هذا الأمرُ من البعض، فربما سقط به آخرون، وربما أُعِلَّ به أحاديث قوم من الثقات ممن لم يبلغوا من الضبط ما بلغ مثل حماد بن أسامة. فمثال الأول: قول الخطيب في بندار محمد بن بشار: "وإن كان يقرأ من كل كتاب، فإنه كان يحفظ حديثه". "تاريخ بغداد" (٢/ ١٠٤). وقد قال الدارقطني في بندار: "من الحفاظ الأثبات". "تهذيب التهذيب" (٩/ ٧٣). وقال الذهبي في "الميزان" (٣ /ت ٧٢٦): "ثقة صدوق احتج به أصحاب الصحاح كلهم، وهو حجة بلا ريب كان من أوعية العلم". =