لَكِنَّ الحميدي ثقة إمام. قال أحمد: الحميدي عندنا إمام. وقال أبو حاتم: أثبت الناس في ابن عيينة الحميدي، وهو رئيس أصحاب ابن عيينة, وهو ثقة إمام. وقال الحميدي: جالست ابن عيينة تسع عشرة سنة أو نحوها. فلا يستنكر اختصاص الحميدي بسؤال ابن عيينة هذا. وقد تابعه عليه بنحوه إسحاق بن إسماعيل الأيلي، رواه من طريقه ابن عبد البر في "التمهيد" كما سيأتي. لكن وقع عند ابن خزيمة في "صحيحه" (٨٨٨) عن عبد الجبار بن العلاء, قال سفيان: "قلت لزيد: سمعت هذا من ابن عمر؟ قال: نعم". كذا، ولم يصرح عبد الجبار بسماعه من سفيان، ورواية الحميدي والأيلي أثبت. وقد نقل الحافظ ابن رجب في "الفتح الباري" (٩/ ٣٦٠، ٣٦١) عن ابن المديني ويعقوب بن شيبة قولهما بعدم سماع زيد لهذا الحديث من ابن عمر. وزيد قد ذكره الحافظ ابن حجر في كتابه "تعريف أهل التقديس" في المرتبة الأولى من الموصوفين بالتدليس -وهم من لم يوصف بذلك إلا نادرًا- ترجمة رقم (١١) وأشار إلى هذا الأثر وفيه السؤال، ثم قال: في جواب زيد إشعار بأنه لم يسمع هذا بخصوصه من ابن عمر، مع أنه مكثر عنه فيكون دَلَّسَهُ". اهـ. ووقع في النسختين المطبوعتين من كتاب المدلسين لابن حجر: قال ابن عبيد، وهو تحريف، والصواب: قال ابن عيينة وهو سفيان كما مَرَّ. ودفع ابن التركماني في "الجوهر النقي" ظاهر جواب زيد بقوله: "يحتمل أن يريد: كلمني بهذا الحديث، ولا ينافي ذلك قول الراوي عنه: "ولم يقل سمعته" إِذْ لا يلزم من عدم قوله: "سمعته" أن لا يكون سمعه، بل قام قوله: "كلمني" مقام قوله: "سمعته". أقول: فَلِمَ حاد زيد عن التصريح بسماعه ذاك الحديث من ابن عمر؟ ومن المعروف أن الرواة يحرصون على إبراز السماع، لا سيما إذا سُئلوا عنه. وفي "التمهيد" لابن عبد البر (١/ ٣٦) تأييدٌ لهذا؛ فقد رواه من طريق أبي يعقوب إسحاق بن إسماعيل الأيلي عن ابن عيينة, وفيه: "قال سفيان بن عيينة: فقلت لرجل: سَلْ زيد بن أسلم -وفرقْتُ أن اسأله-: هل سمعتَ هذا من ابن عمر؟ فقال له: يا أبا أسامة: أسمعتَه من ابن عمر؟ قال زيد: أما أنا فقد رأيته. =