للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يرويه من هذين الوجهين حفظًا فلم يؤثر فيه تلقي البغدادين، وإنما أثر فيه فيما لم يكن يتقن حفظه فاضطرب فيه واشتبه عليه.

الثالثة: حاله فيما رواه من غير الوجهين المذكورين بالمدينة، فهو في قول عمرو بن علي والساجي أصح مما حدث به ببغداد، ونحو ذلك قول علي بن المديني على ما حكاه يعقوب، وصرح ابن المديني في حكاية ابنه أنه صحيح (١). ويوافقه ما روي


(١) وفي رواية يعقوب بن شيبة عنه: "حديثه بالمدينة مقارب".
أقول: السياق يفيد أن ما حدث به ابن أبي الزناد ببغداد، فقد لقنه البغداديون وأفسدوه، فصار ما يحدث به ليس من حديثه أما ما حَدَّث به بالمدينة فهو صحيح: أي هو من حديثه لم يُلَقَّنْهُ، ويبقى النظر في حال ابن أبي الزناد في نفسه، لَا أَنَّ ما حدث به في المدينة فهو حديث صحيح أي يحتج به.
والأئمة لا يعتبرون بما يحدث به الرجل إلا إذا كان من حديث لم يُلَقَّنْهُ أو يُدخلْ عليه أو يَدْخلْ له إسناد في إسناد، أو نحوه، ولذلك يميزون أولًا بين ما هو من حديثه الذي سمعه، وبين ما ليس من حديثه، لأنَّ ما ليس من حديثه ريح لا قيمة له، ثم ينظرون في حديثه بالسَّبْرِ والاعتبار وعرضه على أحاديث الثقات. من ذلك ما رواه الخطيب في "تاريخ بغداد" (١١/ ٤٨) من طريق القاسم بن عبد الرحمن الأنباري، قال: حدثنا أبو الصلت الهروي، قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها، فمن أراد العلم فليأت بابه".
قال القاسم: سألت يحيى بن معين عن هذا الحديث، فقال: هو صحيح.
قال الخطيب: أراد أنه صحيح من حديث أيى معاوية وليس بباطل، إِذْ قد رواه غير واحد عنه. اهـ.
ومقصود ابن معين فيما رواه القاسم عنه أن الحديث معروف من حديث أبي معاوية، لم ينفرد به أبو الصلت الهروي عنه بل قد تابعه عليه محمد بن جعفر الفيدي، كما قاله ابن معين في رواية الدوري "تاريخ بغداد" (١١/ ٥٠).
أما الحديث في نفسه فاستنكره الأئمة ومنهم ابن معين نفسه فقد قال في رواية عبد الخالق بن منصور عنه: ما هذا الحديث بشيء "تاريخ بغداد" (١١/ ٤٩) وللعلَّامة المعلمي بحث ممتع حول هذا الحديث في "حاشية الفوائد المجموعة" (ص ٣٤٩ - ٣٥٣)، وهو منشور هنا في تراجم البعض مثل: الأعمش، والفيدي وغيرهما.
وكذلك قولهم في الراوي: "كتابه صحيح" مشعر بأن في حفظه شيئًا، ومع ذلك فليس معناه أن كل حديث في كتابه هو صحيح يحتج به وإنما معناه أنه يُنظر في أحاديثه من خلال كتابه، وأما حفظه فلا يُعتمد عليه. =

<<  <  ج: ص:  >  >>