فأما ما كان يحكيه عن الكتب القديمة فليس بحجة عند أحد من المسلمين، وإن حكاه بعض السلف لمناسبته عنده لما ذكر في القرآن.
وبعْدُ فليس كل ما نُسب إلى كعب في الكتب بثابتٍ عنه، فإن الكذابين من بعده قد نسبوا إليه أشياء كثيرة لم يقلها. وما صحّ عنه من الأقوال ولم يوجد في كتب أهل الكتاب الآن ليس بحجة واضحة على كذبه، فإن كثيرًا من كتبهم انقرضت نُسخُها ثم لم يزالوا يحرّفون ويبدلون".
وقال (ص ١٠٥): "إنما كان كعب يعرف الكتب القديمة، فكان يحدث عنها بآداب وأشياء في الزهد والورع أو بقصص وحكايات تناسب أشياء في القرآن أو السنة، فما وافق الحق قبلوه -يعني الصحابة- وما رأوه باطلًا قالوا: من أكاذيب أهل الكتاب، وما رواه محتملًا أخذوه على الاحتمال كما أمرهم نبيهم -صلى الله عليه وسلم- ذلك كان فنّ كعب وحديثه، ولم يرو عنه أحد من الصحابة إلا ما كان من هذا القبيل.
نعم ذكر أصحاب التراجم أنه أرسل عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وروى عن عمر وصهيب وعائشة. وعادتهم أن يذكروا مثل ذلك وإن كان خبرًا واحدًا في صحته عن كعب نظر.
فهذه كتب الحديث والآثار موجودة لا تكاد تجد فيها خبرًا يُروى عن كعب عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإن وجد فلن تجده إلا من رواية بعض صغار التابعين عن كعب، ولعلّه لا يصح عنه، وكذا روايته عن عمر، وكذا روايته عن صهيب وعائشة مع أنه مات قبلهما بزمان، وعامّة ما رُوي عنه حكايات عن أهل الكتاب ومِن قوله".
وقال (ص ١٠٦): "الذي عنده هو الحكايات عن صحف أهل الكتاب وأشياء من قوله في الحكمة والمواعظ .. لا ريب أن في صحف أهل الكتاب التي كان كعب يحكي عنها ما هو كذب، فمن صحفهم ما أصله من كتب الأنبياء ولكن حرّف وزيد فيه ونقص، ومنها ما هو منسوب إلى بعض الأنبياء كذبًا، وعندهم عدّة كتب كذلك، ومنها ما هو من كتب أحبارهم، فأما أن يكون كعب كذب فهذا لم يثبت".