وسيظن ظانون أنه ما حدانا إلى الدفاع عن أبب الزبير إلا حرصنا على صحة حديثه هذا (١)، فليعلموا أن الحجة قائمة بدونه مما مضى وما سيأتي، وأن أبا الزبير لم تكن روايته قاصرة على هذا الحديث، فدِفاعُنا عنه هنا يلزمُنا أن نقبلهُ لنا وعلينا، وهذا مما يُلْزِمُناهُ الحق نفسه، والله أعلم. اهـ.
وقال المعلمي في كتاب "الاستبصار في نقد الأخبار"(ع ٣٨ - ٣٩) عند الكلام على ما يُسقط العدالة:
"ما تقرر في الشرع أنه كبيرة إذا وقع من الإنسان فلْتةً، كمنْ أغضبه إنسانٌ فترادّا الكلام حتى قذفه على وجه الشتم، ففي الحُكْمِ بفسقه نظرٌ؛ لأن مثل هذا لا يوجب سوء ظنِّ النّاسِ بالمشتوم، فإن سامِع مثل هذا قد يفْهم منه الشتم فقط، لا أنّ الشاتم يُثبتُ نِسْبة الفاحشة إلى المشتوم.
والذي يدفع الإشكال من أصله أن يتوب ويستغفر، فعلى فرض أنها كبيرة فقد تاب منها، وقد تقرّر في الشرع أن التوبة تجبّ ما قبلها، وأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
وعلى هذا يحمل ما رُوي عن أبي داود الطيالسي، عن شعبة, أنه ذكر أبا الزبير: محمد ابن مسلم بن تدرس، وسماعه منه قال: "فبينا أنا جالس عنده إذ جاعه رجل فسأله عن مسألة فردّ عليه، فافترى عليه، فقلت له: يا أبا الزبير تفتري على رجل مسلم؟! قال: إنه أغضبني، قلت: ومن يغضبك تفتري عليه؟! لا رويت عنك شيئًا".
ذكر هذا في ترجمة أبي الزبير في "التهذيب"، لكن قال في ترجمة: "محمد بن الزبير التميمي" "وأسند ابن عديّ من طريق أبي داود الطيالسي، قلت لشعبة: ما لك لا تحدث عن محمد بن الزبير؟ فقال: مرّ به رجل فافترى عليه, فقلت له فقال: إنه غاظني".