وأما توثيق ابن وهب له ففيه بحث، وعلى كل حال، لو فرضنا ثبوت هذا التوثيق عن ابن وهب، فابن وهب كان من المكثرين، ولم يُعرف عنه التوقي في انتقاء مشايخه، وكان حسن الظن بابن سمعان، وكان يجالسه ويأخذ عنه، كما كان بعض الأئمة والثقات يجالسونه ويأخذون عنه، إلا أنه قد تبين لهم ما لم يتبين لابن وهب، فمنهم من صرح بكذبه ومنهم من تركه.
وابن وهب لم يُعرف بتتبع أحوال الرواة ونقدهم كما عُرف غيره ممن كشف حقيقة ابن سمعان وطعن فيه، فهذه واقعة واحدة، دَلَّس فيها ابنُ سَمعان تدليسًا فاحشًا، فحدث عمن لا وجود له، واستعار له هذا الاسم المخترع، فعدَّه أحمد بن صالح كذبًا، ومَشَّاه ابن وهب، مع مراوغة ابن سمعان له حين سأله عنه فقال: لقيته في البحر، ومقتضى ذلك أنه لا سبيل لابن وهب ولا لغيره إلى معرفته أو الوصول إليه!
والحاصل أن ابن سمعان إن لم يكن يضع الحديث وضعًا -كما ظنه أحمد بن صالح، فهو يكذب ويدَّعي سماع أقوام لم يسمع منهم بل لم يرهم- كما قال غير واحد- ويأخذ صحفًا فيرويها من غير سماع، فليس هو بأهل أن يكتب عنه أصلًا، وعلى هذا قول النقاد من أهل العلم -كما سبق النقل عنهم في صدَرْ هذا التعليق- وقول ابن وهب في مثل هذا شذوذ لا يلتفت إليه، والله تعالى أعلم (ص ٤٠٧ - ٤٠٩).
٣٤ - المقصود أن رواية هؤلاء العبادلة عن ابن لهيعة أحسن وأصح من رواية غيرهم عند المفاضلة والترجيح، لا أَنَّهُ يُحْكم على حديثه من روايتهم عنه بالصحة؛ لأن ابن لهيعة في نفسه غير حجة، وإنما يعتبر بما صحَّ أنه حدَّث به من كتابه، وهذا هو مراد الشيخ المعلمي بقوله السابق:"فهو صالح في الجملة".
وقد ختم أبو زرعة كلامه السابق بقوله: وليس ممن يحتج بحديثه.