الثاني: أن تكون كلمة "كتاب محمد بن إسماعيل" في عبارة أبي زرعة لا تعني نسخة البخاري التي تحت يده، وإنما تعني مُؤَلَّفَهُ الذي هو التاريخ، وتكون النسخةُ التي نقل منها الصائغُ نسخةً لبعضِ الطلبة غير محررة، وإنما نُقلت عن نسخةٍ أخرى، مع جهل الكاتب، ولم يسمع ولا عرض ولا قابل.
الضرب الثاني: ما اختلفت فيه نسخ التاريخ، ففي بعضها كما حكاه أبو زرعة وخَطَّأَهُ، وفي بعضها كما ذكر أنه الصواب، والأمر في هذا محتمل، وموافقة بعض النسخ للنسخة التي وقف عليها أبو زرعة لا تكفي لتصحيح النسبة إلى البخاري، ولاسيما ما يكثر فيه تصحيف النساخ؛ كاسم:"سعر" يتوارد النساخ على كتابته: "سعد".
الثالث: ما وقع في الموضع الذي أحال عليه أبو زرعة كما حكاه، وفي موضع آخر من التاريخ على ما صَوَّبَهُ، وهذا قريب من الذي قبله، لكن إذا حكى البخاري كلًّا من القولين من وجهٍ غير وجه الآخر، فالخلاف من فوق. وقد يذكر البخاري مثل هذا ويرجح تصريحًا أو إيماء، وقد يسكت عن الترجيح، ولا يعد هذا خطأ، والبخاري معروف بشدة التثبت.
الرابع: ما هو في التاريخ على ما حكاه أبو زرعة وخَطَّأَهُ، ولا يوجد فيه كما صوبه، والأمر في هذا أيضًا محتمل، ولاسيما في المواضع التي تنفرد نسخة واحدة من التاريخ، وفي المواضع التي يغلب فيها تصحيف النساخ، وما صحت نسبته إلى البخاري من هذا، فالغالب أنه كذلك سمعه، فإن كان خطأ فالخطأ ممن قبله، وما كان منه يكون أمره هينًا، كالنسبة إلى الجد، فإن أبا زرعة يعدها في جملة الخطأ، وقد دفع ذلك أبو حاتم في بعض المواضع - راجع رقم ٣٦، ٩٢، وقد يكون الصواب مع البخاري وأخطأ أبو زرعة في تخطئته، وقد قضى أبو حاتم بذلك في مواضع، منها ما هو مصرح به في هذا الكتاب، ومنها ما يعلم من الجرح والتعديل - راجع رقم (١١، ٣٢، ٣٣، ٤٤، ٤٩).