فإذا نحن تقصَّينا أخبار هذا الصنف من الناس أتبعناها أخبارا يقع في أسانيدها بعض من ليس بالموصوف بالحفظ والإتقان كالصنف المقدم قبلهم، على أنهم -وإن كانوا فيما وصفنا دونهم- فإن اسم الستر والصدق وتعاطي العلم يشملهم، كعطاء بن السائب، ويزيد بن أبي زياد، وليث بن أبي سليم، وأضرابهم من حُمَّال الآثار، ونُقَّال الأخبار -فهم وإن كانوا بما وصفنا من العلم والستر عند أهل العلم معروفين- فغيرهم من أقرانهم ممن عندهم ما ذكرنا من الإتقان والاستقامة في الرواية يفضلونهم في الحال والمرتبة؛ لأن هذا عند أهل العلم درجة رفيعة، وخصلة سنية.
ألا ترى أنك إذا وازنتَ هؤلاء الثلاثة الذين سميناهم: عطاء، ويزيد، وليثا بـ: منصور بن المعتمر، وسليمان الأعمش، وإسماعيل بن أبي خالد في إتقان الحديث والاستقامة فيه، وجدتَّهم مباينين لهم لا يدانونهم، لا شك عند أهل العلم بالحديث في ذلك للذي استفاض عندهم من صحة حفظ منصور، والأعمش، وإسماعيل، وإتقانهم لحديثهم، وأنهم لم يَعرفوا مثل ذلك من عطاء، ويزيد، وليث.
وفي مثل مَجْرى هؤلاء إذا وازنتَ بين الأقران، كابن عون وأيوب السختياني مع عوف بن أبي جميلة وأشعث الحمراني، وهما صاحبا الحسن وابن سيرين، كما أن ابن عون وأيوب صاحباهما، إلا أن البَوْن بينهما وبين هذين بعيدٌ في كمال الفضل وصحة النقل، وإن كان عوف وأشعث غير مدفوعين عن صدق وأمانة عند أهل العلم، ولكن الحال ما وصفنا من المنزلة عند أهل العلم.
وإنما مَثَّلْنا هؤلاء في التسمية ليكون تمثيلُهم سمةً يصدر عن فهمها من غَبِيَ عليه طريقُ أهل العلم في ترتيب أهله فيه فلا يقصر بالرجل العالي القدر عن درجته، ولا يرفع متضع القدر في العلم فوق منزلته، ويعطى كل ذى حق فيه حقه وينزل منزلته.