للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأنا أقول: إن هذا غير مُسَلَّم لمن حقَّق نظره، ولم يتقيد بتقليد ما سمعه، فإنك إذا نظرتَ تقسيمَ مُسْلم في كتابه الحديثَ كما قال على ثلاث طبقات من الناس، فذكر أن القسمَ الأولَ حديثُ الحفاظ، ثم قال بأنه إذا تقصَّى هذا أَتْبَعَهُ بأحاديث من لم يوصف بالحذق والإتقان مع كونهم من أهل الستر والصدق وتعاطي العلم، وذكر أنهم لاحقون بالطبقة الأولى، وسمَّى أسماء من كل طبقة من الطبقتن المذكورتين، ثم أشار إلى ترك حديث من أجمع أو اتفق الأكثر على تهمته، وبقي من اتهمهم بعضُهم وصححه بعضهم فلم يذكره هنا.

ووجدته: قد ذكر في أبواب كتابه وتصنيفِ أحاديثه حديثَ الطبقتين الأوليين التي ذكر في أبوابه، وجاء بأسانيد الطبقة الثانية التي سماها وحديثها، كما جاء بالأولى، على طريق الإِتْباع لأحاديث الأولى والاستشهاد بها، أو حيث لم يجد في الكتاب للأولى شيئا، وذكر أقواما تكلم قوم فيهم وزكَّاهم آخرون، وخرج حديثهم ممن ضعف أو اتهم ببدعة، وكذلك فعل البخاري.

فعندى أنه قد أَتى بطبقاته الثلاث في كتابه على ما ذَكر ورتَّب في كتابه وبيَّنَهُ في تقسيمه، وطرح الرابعة كما نص عليه (١)، فتأوَّل الحاكمُ أنه إنما أراد أن يُفرد لكل طبقة كتابا، ويأتي بأحاديثها خاصة مفردة، وليس ذلك مراده، بل إنما أراد بما ظهر من تأليفه وبأن من غرضه أن يجمع ذلك في الأبواب، ويأتي بأحاديث الطبقتين، فيبدأ بالأولى ثم يأتي بالثانية على طريقة الاستشهاد والإتباع، حتى استوفى جميع الأقسام الثلاثة، ويحتمل أن يكون أراد الطبقات الثلاث من الناس الحفاظ، ثم الذين يلونهم، والثالثة هي التي طرحها (٢) والله أعلم بمراده.


(١) مسلم إنما قسَّم الرواة ثلاثة أقسام وثلاث طبقات، وطرح أحاديث الثالثة، هذا ما صرَّح به.
(٢) هذا هو الأقرب، والله تعالى أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>