وكثير من سائر الطرق قد ثبت فيها قوله هذا دون ذكر موت إبراهيم، وهو المراد من جوابه هذا عما قد يتبادر إلى أذهان البعض أن هذا الكسوف إنما حصل لموت إبراهيم، فالتصريح بأن ذلك كان في ذلك اليوم، أو الإشارة إليه بهذا القول المذكور - يدل على أن هذه الصلاة إنما صلاها -صلى الله عليه وسلم- مرة واحدة بصفة واحدة فوجب المصير إلى الترجيح بين الصفات الواردة فتعين ترجيح الصفة الأولى لما ذكرنا قَبلُ من قوة طرقها وشهرة رجالها.
من هؤلاء: الشافعي، والبخاري، والبيهقي، وابن عبد البر، وابن تيمية، وابن حجر.
أقول:
أما البخاري فلم يخرج سوى الأحاديث المشتملة على الصفة الأولى، وأعرض عن سائرها، فأخرج حديث عائشة من طريق الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن عروة عنها به (١٠٦٦)، وأخرج حديث عبد الله بن عمرو بن العاص (١٠٥١) وحديث ابن عباس من طريق مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عنه به (١٠٥٢).
ونقل الترمذي في العلل الكبير (ترتيبه ١/ ٢٩٩) عن البخاري قوله: "أصح الروايات عندي في صلاة الكسوف أربع ركعات في أربع سجدات". اهـ.
أما مسلم فقد تجشَّم إخراجَ أحاديث الصفات الثلاث. وبتأمّل سياق مسلم لتلك الأحاديث يلاحظ ما يلي:
• أخرجَ مسلمٌ صلاةَ الكسوف لتسعة من الصحابة، بدأ بأربعةٍ منها؛ تشتمل على عدد الركوعات في كل ركعة، هؤلاء الأربعة هم الثلاثة الذين أخرج لهم البخاري كما سلف، وهم: عائشة، وابن عباس، وعبد الله بن عمرو، يضاف إليهم: جابر بن عبد الله -رضي الله عنه-.