أما حديث عبد الله بن عمرو، فلم يختلف الرواة فيه أنه على الصفة الأولى: أربع ركعات في أربع سجدات.
وأما الثلاثة الآخرون فقد وقع اختلافٌ للرواة في حكاية ذلك العدد في أحاديثهم، اكتفى البخاري بإيراد مَن رواه على تلك الصفة المذكورة؛ من حديث عائشة وابن عباس كما سبق، وأعرض عمن رواه على خلاف ذلك.
• أما مسلم فقد ساق هذا الخلاف على نمط واحد: يبدأ في أحاديث كل صحابي من الثلاثة المذكورين: عائشة، وابن عباس، وجابر، بمن رواه على الصفة الأولى، ثم يتبعها بمن رواه على خلاف ذلك، مع عدم خلو الأسانيد المؤخرة من علة أو مقال -وإن لم ينص هو على شيء منها صراحة- كما سيأتي.
وطريقته في عرض أحاديث تلك الصلاة ينسجم تماما مع ما صرح به في مقدمة "صحيحه" أنه يبدأ بالأحاديث التي هي أسلم من العيوب، فالأحاديث التي قدَّمها -وقد اتفق معه البخاري على إخراجها، واكتفى بها- أصحُّ أسانيدَ، وأشهرُ طرقا مما أخَّره عن ذلك.
وقد حافظ مسلم على تقديم رواية الصفة الأصلى من صلاة الكسوف على غيرها، وهذا مؤدَّاه -حسب تصريحه- أن تلك الصفة عنده أقوى من غيرها.
بل إن مسلما قد أَلْمح إلى تلك التقوية بشيء آخر -سوى ما سبق- فعلى الرغم من اشتمال أكثر تلك الأحاديث الأربعة على قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في مناسبة تلك الصلاة:"إن الشمس والقمر لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته" وفي سياق واحد منها التصريح بأن ذلك كان يوم مات إبراهيم ابن النبي -صلى الله عليه وسلم- (٩٠٤/ ١٠) فقد أعقب مسلم تلك الأحاديث الأربعة في صفة صلاة الكسوف بأحاديث خمسة من الصحابة، هم: أبو مسعود الأنصاري، وأبو موسى الأشعري، وعبد الرحمن بن سمرة، وعبد الله بن عمر، والمغيرة بن شعبة ليس فيها جميعا -سوى حديث عبد الرحمن بن سمرة- إلا مقالة النبي -صلى الله عليه وسلم- المذكورة، وفي بعض طرق حديث أبي مسعود: يوم مات إبراهيم،