• ثم أيَّد مسلم قضية الإدراج برواية معمر عن الزهري، فلم يجاوز معمر القول المرفوع. فلعل الزهري كان يحدث به أحيانا هكذا، فسمعه منه معمر، وتارة يضيف من عنده مسألة الترخيص المذكورة، ففصلها يونس، وأدرجها صالح، أو أن معمرا سمعه كما سمعه الآخرون، لكنه اقتصر على القدر المرفوع.
وسياق مسلم لهذه الروايات عن الزهري يوافق طريقته المعهودة في تقديم الأصح والأسلم من ذلك.
ويلاحظ أن هذا الباب ليس فيه إلا هذا الحديث الواحد، فتعيَّن على مسلم أن يسوقه على هذا النسق.
• أما في النموذج السابق، فقد صدَّر مسلم الباب بحديث سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: ما قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الجن وما رآهم، انطلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطن وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب، فرجعت الشياطين إلى قومهم، فقالوا: ما لكم؟ قالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشهب ... فانطلقوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها، فمر النفر الذين أخذوا نحو تهامة، وهو بنخل، عامدين إلى سوق عكاظ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن استمعوا له ...
وهذا قد أخرجه البخاري (٤٩٢١) لكن ليس فيه عنده: "ما قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الجن وما رآهم".
ففي هذا الحديث تصريح ابن عباس بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يقرأ على الجن، ولكنهم استمعوا إلى قراءته دون أن يشعر بهم، حتى أنزل الله تعالى عليه قرآنا يخبره خبرهم.