والأمر في ذلك أوسعُ مما حدَّه المتأخرون في شأن الجهالة، فقسموها إلى الصنفين السابقن، وسموا الأول:"مجهول العين"، والثاني:"مجهول الحال"، وجعلوا الأول: مردودا مطلقا، والثاني: صالحا للاستشهاد والمتابعة.
ثانيا: فَرَّعَ البعضُ على هذا التقسيم أمورا، من ذلك -وهو لصيقٌ بما نحن بصدده- قولُ اللكنوي في كتابه المذكور "الرفع والتكميل" في "الإيقاظ ١٣ ":
"فرقٌ بين قولِ أكثر المحدثين في حق الراوي: (إنه مجهول)، وبين قول أبي حاتم:(إنه مجهول)، فإنهم يريدون به غالبا: جهالةَ العين، بأن لا يروي عنه إلا واحد، وأبو حاتم يريد به جهالةَ الوصف، فافهمْه واحفظْه؛ لئلا تحكم على كل من وجدتَّ في "الميزان" إطلاقَ المجهول عليه أنه مجهول العين". اهـ.
أقول:
فهذا تلبيسٌ ظاهرٌ، لأنه يُلزِمُ أبا حاتم بهذا التقسيم المذكور، ثم يُقْصِرُ قولَه:"مجهول" على أنه أراد به جهالةَ الوصف أو الحال، لا العين.
واللكنوي هو الذي نقل بعد ذلك عن تقي الدين السبكي في "شفاء السقام في زيارة خير الأنام" قوله:
"أما قول أبي حاتم الرازي في موسى بن هلال: إنه "مجهول"، فلا يضره؛ فإنه إما أن يريد به جهالة العين أو جهالة الوصف ... ".
وعن "فتح المغيث" للسخاوي قوله:
"على أن قول أبي حاتم في الرجل: إنه "مجهول"، لا يريد به أنه لم يرو عنه سوى واحد؛ بدليل أنه قال في: "داود بن يزيد الثقفي" إنه مجهول، مع أنه قد روى عنه جماعة، ولذا قال الذهبي عقبه: هذا القول يوضح لك أن الرجل قد يكون مجهولا عند أبي حاتم، ولو روى عنه جماعة ثقات. يعني إنه مجهول الحال انتهى.