ومعنى كلام هؤلاء واضح جدًّا أن أبا حاتم لا يتقيد في تجهيله للرواة برواية الواحد أو الجماعة، وهو ما قررناه آنفًا، فكيف يقال مع ذلك:" ... وأبو حاتم يريد به جهالة الوصف، فافهمه واحفظه ... "!
أما تفصيل الجواب عما نقله اللكنوي فأقول:
أبو حاتم من أهل الاصطلاح الذين تُؤخذ عنهم القواعد، بل هو من المقدَّمين منهم، الذين أثّرَوْا عِلْمَ النقد بوافرٍ من التحقيقات والتعليلات، وعليه مدار كثير من المنقول في نقد الرواة والأخبار؛ فلا يقال له في رجل قال فيه "مجهول": "ليس بمجهول من روى عنه أربع ثقات، ووثقه الذهلي".
بل يقال كما سبق:
لا يشترط في الوصف بالجهالة عدمُ رواية أكثر من واحد عن الراوي، كما قاله الذهبي؛ استدلالًا بصنيع أبي حاتم.
أو قُلْ: هو اصطلاح أبي حاتم على أَقَلِّ تقدير.
أما الذُّهلي فكان فيه تسمُّح؛ ترتفع الجهالةُ عنده برواية اثنين عن الراوي، فلعله أثبت له العدالة هنا بناءً على هذا، ولا يُقارَن الذهلي بأبي حاتم في هذا الباب.
وأبو حاتم إمامٌ، فلا يُبْطَلُ نَقْدُهُ بنَقْدِ إمامٍ آخر، ولكن يُجمع بينهما بقواعد الجمع المعروفة، فربما اطَّلع الواحد منهم على ما لم يطلع عليه الآخر، أو يكونا اطَّلعَا، لكنِ اعْتَدَّ أحدُهما بما وقف عليه فوثَّق أو صحَّح، ولم يعتد الآخر به فجهَّل أو توقَّف، ولكُلِّ مقامٍ نقدٌ خاصٌ.
وقد يكون من اعتدَّ: قد اغترَّ بما لا ينهضُ، فخالفه الصوابُ.
هذا ربما تدل عليه القرائن، وهو خلاف الأصل المتعارف عليه: أن من علم حُجة على من لم يعلم.