زيد بن خالد -أي الجهني الصحابي- أرسله إلى أبي جهيم، أي ابن الحارث بن الصمة الأنصاري الصحابي.
هكذا روى مالك هذا الحديث في "الموطأ"، لم يُختلف عليه فيه أن المرسِل هو زيد، وأن المرسَل إليه هو أبو جهيم.
وتابعه سفيان الثوري عن أبي النضر عند مسلم وابن ماجه وغيرهما.
وخالفهما ابن عيينة عن أبي النضر، فقال: عن بسر بن سعيد، قال: أرسلني أبو جهيم إلى زيد بن خالد أسأله، فذكر هذا الحديث.
قال ابن عبد البر: هكذا رواه ابن عيينة مقلوبا، أخرجه ابن أبي خيثمة عن أَبيه عن ابن عيينة، ثم قال ابن أبي خيثمة: سُئل عنه يحيى بن معين فقال: هو خطأ؟ إنما هو: أرسلني زيد إلى أبي جهيم، كما قال مالك.
وتعقب ذلك ابن القطان فقال: ليس خطأ ابن عيينة فيه بمتعين؛ لاحتمال أن يكون أبو جهيم بعث بسرا إلى زيد، وبعثه زيد إلى أبي جهيم يستثبت كل واحد منهما ما عند الآخر.
قلت: تعليل الأئمة للأحاديث مبني على غلبة الظن، فإذا قالوا: أخطأ فلان في كذا لم يتعين خطؤه في نفس الأمر، بل هو راجح الاحتمال فيعتمد، ولولا ذلك لما اشترطوا انتفاء الشاذ، وهو ما يخالف الثقة فيه من هو أرجح منه في حد الصحيح". اهـ.
قال أبو أنس:
ما أبرد هذا الكلام على الصدر، لا سيما حينما يخرج من مثل الحافظ ابن حجر، فهو يبعث روح الطمأنينة في قلوب سالكي هذا الدرب، ويزرع الأمل في عودة ما غاب من الفهم السليم لقواعد هذا الفن وأصوله. والله الهادي إلى الصواب، وإليه المرجع والمآب.