فيها، وقد وجدت فيها نقوش عربية يرجع تاريخها إلى منتصف القرن
التاسع الميلادى. ويبدو أن المسلمين انسحبوا من هذه الجزر بعد
ذلك، لكنهم تركوا بها جالية من المسلمين من أهل البلاد، فكانت جزر
«دهلك» أول رأس جسر يقيمه المسلمون على الساحل الشرقى
لإفريقيا، ويبدو أن هذه كانت آخر محاولة للتدخل الرسمى فى
شرقى إفريقيا، فقد ترك الإسلام يتسرب إلى البلاد تسربًا سلميا
بطيئًا فى ركاب المهاجرين إلى إفريقيا من التجار والدعاة عبر
المسالك البحرية المعهودة.
كانت عودة العلاقات التجارية بين «الحبشة» وبلاد العرب، واتساع
دائرتها وخاصة فى تجارة الرقيق، بسبب إقبال الإمارات المستقلة
فى الأمصار الإسلامية المختلفة على الاستعانة بالجنود السودانيين
عوضًا عن جنود العرب الذين تفرقوا فى الأمصار، وكان لذلك أثر
كبير فى نمو المدن الساحلية الزيلعية التى ازدحمت بهؤلاء الوافدين
من تجار المسلمين.
وظهرت فى هذا العصر جاليات إسلامية قوية فى «دهلك»
و «سواكن» و «باضع» و «زيلع» و «بربرة».
وقد أجمع كتاب القرن العاشر الميلادى مثل «المسعودى» و «ابن
حوقل» وغيرهما على ازدهار الحياة الإسلامية فى تلك المدن وتوطد
النفوذ الإسلامى على طول السهل الساحلى، وقد ظهرت مدن إسلامية
على ذلك الساحل كأنها العقد أو الطراز فى الفترة بين القرن العاشر
والثالث عشر الميلادى.
وقد أصبحت هذه المدن الإسلامية الساحلية مراكز وَثَبَ منها التجار
والدعاة إلى المناطق الداخلية فى بلاد الزيلع والحبشة؛ إذ كان هؤلاء
يرحلون إلى المناطق الداخلية التماسًا للتجارة ويقيمون بعض الوقت
ثم ينحدرون إلى الساحل من جديد، وفى أثناء إقامتهم يخاطبون
الناس وينشرون الإسلام ويوطدون صلتهم بالطبقة الحاكمة.
ويبدو أن الإسلام نفذ إلى الداخل فى وقت مبكر، ربما فى القرن
الثالث الهجرى حين تطرق إلى منطقة «شوا» حيث قامت سلطنة
إسلامية عملت على نشر الإسلام فى جنوب وشرق الحبشة، وقد